الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالربا والمعاملات المحرمة لا يجوز اللجوء إليها إلا عند تحقق الضرورة المبيحة لارتكاب المحظور، لقوله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام:119}.
وما ذكرته لا ضرورة فيه، والربا ليس حلا للمشكلات، بل لا يزيدها إلا تمكنا كالمستجير من الرمضاء بالنار ومن الخطأ أن نتصور أن ذلك المصنع هو مصدر رزقك الوحيد فإنك بهذا تضيق واسعا وما يدريك أن يكون سبب رزقك في غيره؟ فعليك بحسن الظن بربك وأنك إذا اتقيته وصبرت عوضك الله خيرا ورزقك من حيث لا تحتسب، وقد قال صلى الله عليه وسلم: إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب. قال الحافظ في الفتح أخرجه ابن أبي الدنيا في القناعة, وصححه الحاكم من طريق ابن مسعود، وصحه الألباني أيضا.
فرزقك سيأتيك ما كتب لك منه ومصدره ليس هو ذلك المشروع، أو غيره، بل مصدره هو الرزاق ذو القوة المتين، وإنما ذلك المشروع سبب يوصل إليه ولو زال فالأسباب المشروعة لابتغاء الرزق الحلال كثيرة، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ونسأل المولى العظيم رب العرش الكريم أن يكشف غمتك ويفرج كربتك وييسر لك قضاء حاجتك ويرزقك من حيث لا تحتسب فهو غياث المستغيثين ومأوى المضطرين وكاشف كرب المكروبين ما خاب عبد سأله وانطرح بين يديه فالملجأ إليه والتوكل عليه وفي الحديث القدسي: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟. متفق عليه.
فأنزل حاجتك به واشك إليه بثك وحزنك أسوة بيعقوب بن إسحاق، حيث قال الله عنه: قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ {يوسف:86}.
فكشف الله غمه ورد عليه ابنه وكذلك حال أيوب لما مسه الضر شكا إلى ربه فكشف عنه ضره، حيث قال الله: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ {الأنبياء: 83ـ 84}.
فاستعن بالله عزوجل في قضاء حوائجك وسداد ديونك وأكثر من الاستغفار فهو من أسباب الرزق وفتح أبوابه، قال تعالى حكاية عن نوح: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا {نوح: 10ـ11ـ 12}.
ولا تنس أن تدعو بدعاء قضاء الدين, فقد روى أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد, فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة, فقال: يا أبا أمامة، ما لي أراك جالسا في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله, قال: أفلا أعلمك كلاما إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى عنك دينك؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله, قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن, وأعوذ بك من العجز والكسل, وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال, قال: ففعلت ذلك فأذهب الله عز وجل همي, وقضى عني ديني. رواه الترمذي وحسنه.
وعن أبي وائل عن علي ـ رضي الله عنه: أن مكاتبا جاءه فقال: إني قد عجزت عن كتابتي فأعني، قال: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم, لو كان عليك مثل جبل صبر دينا أداه الله عنك؟ قال: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك, وأغنني بفضلك عمن سواك.
ولمعرفة حد الضرورة المبيح لارتكاب المحظور انظر الفتويين رقم: 1420, ورقم: 20910.
والله أعلم.