السؤال
ما حكم لعب الشطرنج على جهاز الحاسب الآلي إذا كانت اللعبة لا تحتوي على تماثيل، بل على صور؟.
ما حكم لعب الشطرنج على جهاز الحاسب الآلي إذا كانت اللعبة لا تحتوي على تماثيل، بل على صور؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاللعب بالشطرنج إن كان على عوض أو اشتمل على فعل محرم أو ترك واجب، فهو محرم إجماعاً ـ وسواء في ذلك اللعب بالشطرنج المعروف، أو اللعب على جهاز الحاسوب ـ وأما إن كان اللعب بالشطرنج خالياً مما ذكرنا من المحاذير: فاللعب به محل خلاف بين العلماء، قال كثير منهم بتحريمه، وهو مروي عن جماعة من الصحابة.
وقال الشافعية: بكراهته.
وقال بعض العلماء ـ كأبي يوسف ـ بإباحته.
والمحرمون للشطرنج لم يعللوا التحريم باشتماله على التماثيل فحسب، بل ذكروا في تحريمه أنه في معنى النرد المنصوص على تحريمه، لاشتماله على الصد عن ذكر الله وعن الصلاة فهو على هذا من الميسر، قال في حاشية الروض: قال الشيخ - أي ابن تيمية - ويحرم اللعب بالشطرنج، نص عليه - أي الإمام أحمد - هو وغيره من العلماء، كما لو كان بعوض أو تضمن ترك واجب أو فعل محرم إجماعاً، وهو شر من النرد، ويحرم النرد بلا خلاف في المذهب، قال ابن القيم: ويدخل في الميسر كل أكل مال بالباطل، وكل عمل محرم يوقع في العداوة والبغضاء ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة.
انتهى.
وقال الموفق في بيان حجة التحريم: ولنا قول الله تعالى: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
قال علي ـ رضي الله عنه: الشطرنج من الميسر.
ومر علي ـ رضي الله عنه ـ على قوم يلعبون بالشطرنج فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟.
قال أحمد: أصح ما في الشطرنج قول علي ـ رضي الله عنه ـ ولأنه لعب يصد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة فأشبه اللعب بالنرد.
انتهى باختصار.
وقال ابن القيم ضمن كلام طويل في تحريم الميسر: وذلك أن الله تعالى قال: وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ.
فنبه على علة التحريم وهي ما في ذلك من حصول المفسدة وزوال المصلحة الواجبة والمستحبة، فإن وقوع العداوة والبغضاء من أعظم الفساد.
وصدود القلب عن ذكر الله وعن الصلاة اللذين كل منهما ـ إما واجب، وإما مستحب ـ من أعظم الفساد، ومن المعلوم أن هذا يحصل في اللعب بالشطرنج والنرد ونحوهما ـ وإن لم يكن فيه عوض ـ وهو في الشطرنج أقوى فإن أحدهم يستغرق قلبه وعقله وفكره فيما فعل خصمه وفيما يريد أن يفعل هو وفي لوازم ذلك ولوازم لوازمه حتى لا يحس بجوعه ولا عطشه ولا بمن يسلم عليه ولا بحال أهله ولا بغير ذلك من ضرورات نفسه وماله فضلاً أن يذكر ربه أو الصلاة، وهذا كما يحصل لشارب الخمر، بل كثير من الشراب يكون عقله أصحى من كثير من أهل الشطرنج والنرد، واللاعب بها لا تنقضي نهمته منها إلا بدست بعد دست، كما لا تنقضي نهمه شارب الخمر إلا بقدح بعد قدح وتبقى آثارها في النفس بعد انقضائها أكثر من آثار شارب الخمر حتى تعرض له في الصلاة والمرض وعند ركوب الدابة، بل وعند الموت، وأمثال ذلك من الأوقات التي يطلب فيها ذكره لربه وتوجهه إليه، وكذلك العداوة والبغضاء بسبب غلبة أحد الشخصين للآخر وما يدخل في ذلك من التظالم والتكاذب والخيانة التي هي من أقوى أسباب العداوة والبغضاء وما يكاد لاعبها يسلم عن شيء من ذلك، والفعل إذا اشتمل كثيراً على ذلك وكانت الطباع تقتضيه ولم يكن فيه مصلحة راجحة حرمه الشارع قطعاً، فكيف إذا اشتمل على ذلك غالباً؟.
انتهى محل الغرض من كلامه ـ رحمه الله.
فإذا علمت مأخذ تحريم الشطرنج عند من حرمها وأنه لا يقتصر على اشتمالها على التماثيل فحسب بان لك بوضوح أنه لا فرق إذاً بين لعبها على صورتها المعروفة أو على جهاز الحاسوب، إذ المفسدة المترتبة على اللعب بها واحدة، والشرع لا يفرق بين متماثلين كما لا يجمع بين مختلفين، وأما على القول بعدم التحريم فالأمر واضح، والقول بتحريم الشطرنج فضلاً عن كونه المأثور عن الصحابة فهو الأورع والأحوط للدين، فشيء اختلف العلماء فيه بين محرم وكاره لا ينبغي لعاقل أن يقدم على تعاطيه وبخاصة مع اشتماله على ما تقدم ذكره من المفاسد.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني