الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الخيرة في الشرع وهل يعتمد عليها في اختيار الزوجين

السؤال

أود أن أعرف الفرق بين الاستخارة والخيرة، حيث إنه تقدم لي شاب، وطلب مني أن أستخير، وأستشير، وأرد عليه، وبالفعل فعلت ما طلبه مني، إلا أن خالتي -وهي بمثابة أمي- قصدت شيخًا تسأله خيرة هذه الزيجة، فجزم لها بأنه لا خير فيها، والأفضل أن نصرف الشاب عنا، وتحت إلحاح الشاب صارحته بموضوع الخيرة، وأنها سبب الرفض، فلم يقتنع، وقال: إن هنالك شيخًا حافظًا للقرآن، وعاملاً به، ومحل ثقة، يجب أن نسأله -أيضًا-، فرد عليه ذلك الشيخ بنفس الرد الأول، وهو أن الأفضل لكلينا أن لا نتم هذه الزيجة. فهل يجوز قصد الشيوخ وسؤالهم بهذه الكيفية؟ وهل ما فعلناه يدخل ضمن حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: من أتى عرافًا فسأله عن شيء، فصدقه، لم تقبل له صلاة أربعين يوما؟ وكيف لي بتفسير الاستخارة؟ حيث إنني مشوشة بخصوصها وعادة أستخير لكل أمر أود القيام به، فيسهل، وأشرع فيه، ثم يتعقد، ولا يكتمل حتى يدخلني في خسائر معنوية أو مادية أو كليهما، فإذا به لا خير فيه، حيث لا أحصد إلا الندم والألم، فكيف لي أن أفهم معنى الاستخارة فهمًا سليمًا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالمشروع للعبد إذا همَّ بالأمر أن يستخير الله تعالى، ويستشير المخلوقين من أهل الخبرة والتجربة، فإنه ما خاب من استخار الخالق واستشار المخلوق.

وأما هذه الخيرة: فلا نعلم عنها شيئًا، ولكن إن كان هؤلاء الشيوخ يناصحون من يستشيرونهم بناء على ما يذكرونه لهم من قرائن ووقائع، كأن يذكروا لهم حال هذا الشاب المتقدم من حيث الدين والخلق ونحو ذلك من الاعتبارات ليستنصحوهم فيما إذا كان كفؤا أولا فينصحون بما يرونه مناسبًا؛ فهذا لا بأس به ولا حرج فيه.

وأما إن كانوا يرجمون بالغيب، ويتخرصون، ويدعون علم ما لم يحيطوا بعلمه؛ فهذا من جنس ما يفعله الكهان والعرافون، ويخشى على من يأتيهم أن يكون متعرضًا للعقوبة التي توعد بها من أتى كاهناً أو عرافًا، وقد قال الله -عزَّ وجلَّ-: قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ {النمل: 65}.

والآيات في هذا المعنى كثيرة، وإذا كان الحال كذلك، فلا التفات إلى ما يشيرون به البتة، بل على العبد أن يستخير الله تعالى ويفوض أمره إليه، واثقًا باختياره له، عالمًا أن اختيار الله للعبد خير من اختيار العبد لنفسه، وإذا استخار العبد ربه، فليمض فيما انشرح له صدره، فإن تيسر وقضاه الله ووفقه فيه، فهذا هو الخير، وإن لم يتيسر -ولو بعد حين- فليعلم أن الخير ليس في حصول هذا الأمر، وليحمد الله تعالى، وليرض بقضائه وقدره، قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: فإذا استخار الله كان ما شرح له صدره وتيسّر له من الأمور هو الذي اختاره الله له. اهـ.

فعلى العبد أن يفعل ما أمر به من الاستخارة، وكذا الاستشارة، ثم يفوض أمره إلى ربه، ويسلم لقدره، ويرضى بما يختاره له سبحانه، وليس تيسر الأمر أولًا ثم حصول العوائق بعد بقادح في الاستخارة، بل هذا -كما ذكرنا- دليل على أن هذا الأمر ليس هو الخير للعبد، ولله الحكمة في تقديره وفعله، ولا يجوز الاعتراض على شيء من ذلك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني