الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم تحريض الفتاة على ترك خاطبها لكونه تاركا للصلاة ومدمنا للخمر

السؤال

فضيلة الشيخ: أنا في أمر حيرني وأرجو أن تفيدني فيه جزاك الله كل خير عني، وأرجو أن تقرأ قصتي كاملة قبل إجابتي، لأن سؤالي في آخرها: تعرفت على فتاة منذ سنتين تقريبا وصدفة وجدت نفسها فقدت عذريتها وأنا أعلم أنها لم تكن تعرف، ولم تفقدها معي، بل مع شخص آخر كانت قد أخطأت معه منذ زمن في وقت المراهقة، فأشفقت عليها وبدأت أنصحها بالتوبة والهداية فاستجابت لي، رغم أنها تعيش في وسط غير منضبط بأمور الشرع والدين، ومع ذلك لبست الجلباب، لأنها كانت متبرجة وابتعدت عن الأغاني ـ رغم أنها كانت همها الأول، وبدأت الصلاة وبدأت تندمج في أمور الدين تدريجيا، ولأنها خائفة من الأهل وتريد الستر بحثت عن ذلك الشخص الوحيد الذي تتوقع أنه قد يكون السبب في ما جرى لها، وأرسلت له عن طريق فتاة وجاء لخطبتها فقبلت على مضض، لأنها كانت تتمناني، وخبأت عني أنها اتصلت به وقالت إنه شخص آخر وباسم آخر، ولأنني أعرف حالتها قلت لها لا تتهوري وتريثي، وعندما وجدتها مصرة عليه قلت لها إنني سأتزوجك، لسترك من الفضيحة، فوافقت بالطبع، لكن لم أتمسك بوعدي ـ أو كما تظن هي ـ ومع مرور الوقت تقدم ذاك الشخص وخطبها رسميا، وحين علمت بخطبتها تقدمت أنا لخطبتها، لكي أمنعها من الفضيحة، لكن عندما تقدمت لخطبتها تأكدت بأن الخاطب هو نفس الشخص الذي كانت تعرفه، فغضبت وتأثرت جداً واتصلت بها، وبدأت تبكي هي أيضا حينما علمت أنني كنت سأخطبها، وقالت لي إنها ستفسخ خطبتها إذا كنت أريدها ـ وفعلاً أريدها ـ وحين أرادت أن تفسخ خطبتها علمت أن أباها قرأ الفاتحة وأصبحت متزوجة وصعب الحال عليها، لكنني كنت في حالة ضعف فطلبت منها فسخ العقد، وحين اتصلت بجدتها لتعينها سهلت عليها الأمر وقالت لها إنها ستساعدها، وبعد مرور عشرة أيام تقريبا بدأت أعلم أنني تسببت في فسخ عقد وأنه حرام علي وعليها، وبدأت ألوم نفسي شيئا فشيئا، وحين قلت لها إننا ارتكبنا خطئا قالت لي أنا لم أفسخ العقد من أجلك فقط، وقالت لي إنني أنا من وضح لها الأمر وساعدها، لكن هي من تريد الفسخ وليس من أجلي، لأن الشخص الذي ارتبط بها ـ حسب ما تقول ويقول أبوها ـ إنسان ليس بالمتدين ومدمن خمر وتارك للصلاة وصاحب مشاكل، وقالت لي إنها لم تفكر إلا في الستر، وحين تقدمت اتضح لها الأمر، وسألتها عندما لا أعدك بالزواج فهل تصرين على فسخ العقد؟ فقالت لي نعم والله، لأنه ـ كما ذكرت ـ مدمن خمر ومخدرات، وسؤالي هو: هل أنا على خطإ؟ وهل إذا تزوجت هذه الفتاة بعد فسخ عقدها يعتبر زواجا صحيحا؟.
وشكراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فأولاً نقول للسائل: إن العلاقة بين الرجال والنساء في غير إطارها الشرعي لا تجوز، وهي ذريعة مباشرة للوقوع في الكبائر، وعليه، فيجب أن يتوب إلى الله تعالى من علاقته بتلك الفتاة، ولا يسوغ تلك العلاقة تحذيرها ـ بدعوتها وإرشادها ونحو ذلك ـ فالعافية لا يعدلها شيء، ثم نقول له إن كان الذي حصل بين هذا الشاب ووالد الفتاة مجرد خطبة وما يسمى بقراءة الفاتحة، ولم يتم العقد الشرعي بالإيجاب والقبول، وكان هذا الشاب على تلك الحال ـ من ترك الصلاة وشرب الخمور ـ فلا حرج في فسخ الخطبة، ولا حرج عليك في الخطبة على خطبته، كما بينا في الفتوى رقم: 123448.

وأما إذا كان العقد الشرعي قد تم وليس الأمر مجرد خطبة: فعلى هذه الفتاة أن ترفع الأمر للمحكمة الشرعية ليفسخوا العقد أو يحكموا بالطلاق أو الخلع مقابل التنازل عن بعض حقوقها، فإذا تم الطلاق أو الفسخ، فلا حرج عليك في الزواج منها، وإذا كنت قد حرضتها على فراقه بسبب سوء خلقه، فلا حرج عليك.

وأما إذا كان تحريضك لها على فراقه، لمجرد رغبتك في الزواج منها: فذلك غير جائز بلا شك، بل هو من الكبائر، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس منا من خبب امرأة على زوجها، أو عبداً على سيده.

رواه أبو داود.

بل ذهب بعض العلماء إلى عدم صحة زواج المرأة ممن خببها على زوجها، معاقبة له بنقيض قصده، قال الرحيباني: وقال الشيخ تقي الدين في جواب سؤال صورته: من خبب ـ أي: خدع امرأة على زوجها حتى طلقت ثم تزوجها ـ يعاقب عقوبة، لارتكابه تلك المعصية، ونكاحه باطل في أحد قولي العلماء في مذهب مالك وأحمد وغيرهما، ويجب التفريق بينهما.

مطالب أولي النهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني