الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا حرج في إطلاق اسم ـ العدل ـ على المأذون الشرعي، فالعدل من أسماء الله تعالى التي لا تختص به، فلا حرج في التسمية بها، بخلاف ما كان مختصا به سبحانه ـ كالخالق والرحمن والصمد ونحوها ـ فلا يجوز أن يسمى بها غيره، قال ابن القيم في تحفة المودود: ومما يمنع تسمية الإنسان به أسماء الرب تبارك وتعالى، فلا يجوز التسمية بالأحد والصمد ولا بالخالق ولا بالرازق، وكذلك سائر الأسماء المختصة بالرب تبارك وتعالى. اهـ.
وقال النووي: اعلم أنّ التّسمي بهذا الاسم ـ يعني ملك الأملاك ـ حرام وكذلك التّسميّ بأسماء الله المختصّة به، كالرّحمن والقدّوس والمهيمن وخالق الخلق ونحوها. اهـ.
وقال المعلمي في الإرشاد: الواجب احترام أسمائه من أن يسمى بها غيره وذلك من تحقيق التوحيد، فعن أبي شريح أنه كان يكنى أبا الحكم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله هو الحكم وإليه الحكم، فقال: إن قومي كانوا إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين، فقال: ما أحسن هذا! فما لك من الولد؟ قلت: شريح ومسلم وعبد الله، قال: فمن أكبرهم؟ قلت: شريح، قال: فأنت أبو شريح. رواه أبو داود وغيره.
فغيَّر النبي صلى الله عليه وسلم كنيته من أجل احترام أسماء الله، لأن الله هو الحكم على الإطلاق.
وفي هذا الحديث دليل على المنع من التسمي بأسماء الله تعالى المختصة به، والمنع مما يوهم عدم الاحترام لها، كالتكني بأبي الحكم ونحوه. اهـ.
وكذلك قال الشيخ سليمان آل الشيخ في تيسير العزيز الحميد، وابن القاسم في حاشيته على كتاب التوحيد.
ولما قال الشيخ زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: أما الذي يطلق على الله وعلى غيره سواء ـ كالحي والموجود والمؤمن والكريم والغني ـ فكناية إن نوى به اليمين فيمين، لأنه اسم يطلق على الله تعالى وقد نواه، ومنه والسميع والبصير والعليم والحكيم. اهـ.
قال الرملي في حاشيته: استفدنا من كلامهم هنا جواز التسمية بأسماء الله تعالى التي لا تختص به، أما المختص به فيحرم، وبذلك صرح النووي في شرح مسلم. اهـ.
ونقل الخادمي في بريقة محمودية عن التتارخانية ـ من كتب الأحناف: أن التسمية باسم الله يوجد في كتاب الله تعالى كالعلي والكبير والرشيد والبديع جائز، لأنه من الأسماء المشتركة، ويراد به في حق العباد غير ما يراد به في حق الله تعالى. اهـ.
ونبه الشيخ بكر أبوزيد في معجم المناهي اللفظية على النهي عن التسمي بأسماء الله تعالى التي اختص بها نفسه سبحانه. اهـ.
وأما إطلاق المشرع على غير الله تعالى، فقد قال الشيخ بكر في معجم المناهي: في مادة ـ شرع ـ من كتب اللغة مثل: لسان العرب والقاموس وشرحه وتاج العروس: أن الشارع في اللغة هو العالم الرباني العامل المعلم، وقاله ابن الأعرابي.
وقال الزبيدي ـ أيضاً ـ في تاج العروس: ويطلق عليه صلى الله عليه وسلم لذلك، وقيل: لأنه شرع الدين أي أظهره وبينه. اهـ.
وفي فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: قال عن النبي صلى الله عليه وسلم: صاحب الشرع.
وأما في لغة العلم الشرعي: فإن هذا المعنى اللغوي لا تجد إطلاقه في حق النبي صلى الله عليه وسلم ولا في حق عالم من علماء الشريعة المطهرة فلا يُقال لبشر: شارع ولا مشرع، وفي نصوص الكتاب والسنة إسناد التشريع إلى الله تعالى، قال الله تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ... الآية، الشورى: 13.
وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: إن الله شرع لنبيكم سنن الهدى. رواه مسلم وغيره.
لهذا فإن قصر إسناد ذلك إلى الله سبحانه وتعالى أخَذَ في كتب علماء الشريعة على اختلاف فنونهم صفة التقعيد، فلا نرى إطلاقه على بشر حسب التتبع، ولا يلزم من الجواز اللغوي الجواز الاصطلاحي، وإنه بناء على تنبيه من شيخنا عبد العزيز بن باز على أن إطلاق لفظ ـ المشرع ـ على من قام بوضع نظام، غير لائق - صدر قرار مجلس الوزراء بعدم استعمال كلمة ـ المشرع ـ في الأنظمة ونحوها. اهـ.
وإذا تقرر هذا فإطلاق كلمة ـ المشرع ـ في حق واضعي القوانين والدساتير المخالفة للشريعة الإسلامية ـ لا يجوز، وبالتالي، لا يجوز إقرارها بالكتابة ولا بغير ذلك، ولكن لا يعد ذلك ناقضا من نواقض الإسلام في حق من ينكر ذلك ولا يقر بصلاحية الحكم لغير الله تعالى، بخلاف من أطلقه معتقدا جواز أن يكون الحكم التشريعي المطلق لغير الله سبحانه.
والله أعلم.