الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الشطرنج مختلف في حكمه إذا خلا من القمار وإضاعة الصلاة، وقد حرمه بعض أهل العلم لعدة مسائل منها وجود الصور المجسمة لذوات الأرواح فيه، ومنها تصريح بعض الصحابة وعلماء السلف بتحريمه إضافة لقول جمهور العلماء بذلك.
وقد قال بعض أهل العلم: إنه مثل أو شر من النرد الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه. رواه مسلم وغيره.
وقد كان عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: الشطرنج ميسر العجم. ومرّ رضي الله عنه يوماً بقوم يلعبون الشطرنج فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟ وسئل عنه عبد الله بن عمر رضي الله عنه عنهما فقال: هو شر من النرد.
وولي ابن عباس رضي الله عنهما مال يتيم، فوجد فيه شطرنجا فأحرقه.
وقال أبو موسى الأشعري: لا يلعب بالشطرنج إلاّ خاطئ.
وكان الإمام مالك - رحمه الله - يقول: لا خير في الشطرنج، وكان - رحمه الله - يعتبره من الباطل ويتلو قوله تعالى: فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ. {يونس:32}.
وقال البغوي في شرح السنة: واختلف أهل العلم في إباحة اللعب بالشطرنج، فرخص فيه بعضهم، لأنه قد ينتصر به في أمر الحرب ومكيدة العدو، ولكن بثلاث شرائط: ألا يقامر به، ولا يؤخر الصلاة عن وقتها، وأن يحفظ لسانه عن الخنا والفحش، فإذا فعل شيئا منها، فهو ساقط المروءة، مردود الشهادة، وإلى الرخصة فيه ذهب سعيد بن جبير... وكره الشافعي اللعب بالشطرنج والحمام كراهية تنزيه لا كراهية تحريم إلا أن يقامر به فيحرم، وحرمه جماعة كالنرد. اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية: أجمع المسلمون على أن اللعب بالشطرنج حرام إذا كان على عوض أو تضمن ترك واجب مثل تأخير الصلاة عن وقتها، وكذلك إذا تضمن كذبا أو ضررا أو غير ذلك من المحرمات، أما إذا لم يكن كذلك فاختلف الفقهاء على أقوال: المذهب عند المالكية والحنابلة وهو اختيار الحليمي والروياني من الشافعية حرمة اللعب بالشطرنج مطلقا.
وممن قال بالتحريم: علي بن أبي طالب وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم، وسعيد بن المسيب والقاسم وسالم وعروة، واستدلوا بأثر علي رضي الله عنه أنه مر بقوم يلعبون بالشطرنج فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ؟ لأن يمس جمرا حتى يطفى خير من أن يمسها .
وروى مالك بلاغا أن ابن عباس رضي الله عنهما ولي مال يتيم فوجدها فيه فأحرقها. كما استدلوا بالقياس على النرد، بل إن الشطرنج شر من النرد في الصد عن ذكر الله وعن الصلاة وهو أكثر إيقاعا للعداوة والبغضاء، لأن لاعبها يحتاج إلى إعمال فكره وشغل خاطره أكثر من النرد، ولأن فيهما صرف العمر إلى ما لا يجدي، إلا أن النرد آكد في التحريم لورود النص بتحريمه ولانعقاد الإجماع على حرمته مطلقا .
والمذهب عند الحنفية والشافعية وهو قول عند المالكية أن اللعب بالشطرنج مكروه.
ومأخذ الكراهة أنه من اللهو واللعب. وجاء في حديث جابر بن عمير رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل شيء ليس من ذكر الله عز وجل فهو لهو أو سهو إلا أربع خصال: مشي الرجل بين الغرضين ، وتأديبه فرسه ، وملاعبة أهله ، وتعلم السباحة.
وفي حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ليس من اللهو ثلاثة: تأديب الرجل فرسه، وملاعبته زوجه، ورميه بنبله عن قوسه.
ومأخذ الكراهة كذلك أنه يلهي عن الذكر والصلاة في أوقاتها الفاضلة ، وقد يستغرق لاعبه في لعبه حتى يشغله عن مصالحه الأخروية .
وذهب أبو يوسف وهو قول عند الشافعية وقول عند المالكية إلى إباحة اللعب بالشطرنج لما فيه من شحذ الخواطر وتذكية الأفهام، ولأن الأصل الإباحة ولم يرد بتحريمه نص ولا هو في معنى المنصوص عليه، وقيد المالكية قولهم بالإباحة بألا يلعبه مع الأوباش في الطريق بل مع نظائره في الخلوة بلا إدمان وترك مهم ولهو عن عبادة.
ويخالف الشطرنج النرد في أمرين : الأول: أن المعول في النرد ما يخرجه اللعبان فهو يعتمد على الحزر والتخمين المؤدي إلى غاية من السفاهة والحمق فأشبه الأزلام، والمعول في الشطرنج على الحساب الدقيق والفكر الصحيح وعلى الحذق والتدبير فأشبه المسابقة بالسهام .
الثاني: أن في الشطرنج تدبير الحرب فأشبه اللعب بالحراب والرمي بالنشاب والمسابقة بالخيل .
ونقل القول بالإباحة عن أبي هريرة رضي الله عنه وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير ومحمد بن المنكدر ومحمد بن سيرين وعروة بن الزبير وابنه هشام وسليمان بن يسار والشعبي والحسن البصري وربيعة وعطاء. اهـ.
وراجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية : 4020، 10063، 31193، 10063، 99340، 5019 ، 135097, 61209.
وأما عن مسألة الترفيه فإن الأصل إباحة اللعب واللهو ما لم يصل إلى حد الإسراف وتضييع الواجب أو يكون بحرام. وسبق بيان ذلك بالتفصيل في الفتاوى التالية أرقامها: 10123 ، 23854، 36646،132744، 6496.
وعلى ذلك فلا مانع من اللهو أو اللعب في وقت الفراغ إذا كان مضبوطا بالضوابط الشرعية المشار إليها ما لم يتأذ من ذلك أو يتضرر.
وأما الكسب فهو نفسه عبادة فقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في التكسب واستغناء المرء عن الآخرين وأكله من كسب يده، وهذا هو هدي الأنبياء والصحابة والعلماء، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحث على عمل اليد: ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده. رواه البخاري.
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أي الكسب أطيب؟ فقال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور. رواه أحمد والحاكم وصححه الألباني.
وقال: إن أطيب ما أكلتم من كسبكم. رواه الترمذي وقال فيه: حسن صحيح.
وقال: لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه. رواه البخاري.
وقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتاجرون ويزرعون ويؤجرون أنفسهم، وكان من سلف هذه الأمة من يمتهن المهن ويتكسب بها حتى اشتهر بعضهم بنسبته لمهنته أو مكان عمله كالبزار والخواص والدارقطني والدباغ والحداد والبقال.
والله أعلم.