السؤال
أنا أكره عمي لأنه السبب في موت أبي؛ ولأنه أكل أموالنا وتركنا نتعذب في هذه الدنيا حتى أصبحت حالتنا تحت الصفر، وليس هذا فقط، فقد أصابنا منه الكثير من المشاكل، وكنا لما نسامح نرى منهم المشاكل، وهذا ينطبق على أخوالي أيضا، وكنت أدعو عليه وأنا صغيرة أن يصاب بالعمى والشلل، وأن يطول الله في عمره كي يتعذب مثلما كان السبب في موت أبي، والآن فعلا قد أصيب بالعمى في عين وبشلل نصفي، ولا أدري هل هذا بسبب دعائي أو هو امتحان من الله عليه، ولكني لا أحبه وأكره حتى النظر إلى وجهه وأحقد عليه كثيراً جداً، وحاولت أن أخرج هذا الحقد من قلبي فلم أستطع، مع العلم بأنهم جميعهم كانوا لا يزوروننا، وعندما تحسنت أوضاعنا المادية جميعهم رجعوا لنا، صحيح أنني أكرهم ولكن عندما يأتون نكرمهم ونقوم بواجبات الضيافة، ولكن لا نثق بهم أبداً لأني أرى في وجوهم الغدر والمقت والحسد لنا، وإن كانو يحاولون إخفاءه، فهل اجتنابنا عنهم جائز ولا يكون علينا إثم؟ وخاصة أنه كما ذكرت لتجنب المشاكل. قد تعذبنا في الدنيا ولا نريد أن نتعذب في الآخرة بسبب هؤلاء الناس الذين لا يستحقون. وأنا الآن أكتب لكم لإعطائي حلا أبعد به هذا الكره لهم وفي نفس الوقت تجنبهم؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فننبهك إلى أنه لا يجوز اتهام المسلم بغير بينة ظاهرة، فالأصل في المسلم السلامة والواجب إحسان الظن به إذا لم يظهر منه ريبة، وينبغي حمل أقواله وأفعاله على أحسن الوجوه، وانظري في ذلك الفتوى رقم: 102210.
أما عن حكم مقاطعتك لعمك فالأصل أن ذلك لا يجوز لأن قطع الرحم محرم بل من الكبائر، فعن جبير بن مطعم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يدخل الجنة قاطع.. متفق عليه.
لكن الشرع لم يحدد لصلة الرحم أسلوباً معيناً أو قدراً محدداً، وإنما ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأعراف، فإذا قمت بصلة أرحامك ولو بالسلام فلا تعدين قاطعة رحم، قال القاضي عياض: وللصلة درجات بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة، وصلتها بالكلام ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب ومنها مستحب، ولو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لا يسمى قاطعاً، ولو قصر عما يقدر عليه، وينبغي له أن يفعله لا يسمى واصلاً. نقله العيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري.
وإذا كان في صلة هؤلاء الأقارب ضرر ظاهر جاز هجرهم لاجتناب الضرر، قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصاً على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه، فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. انتهى.
لكن اعلمي أن مقابلة السيئة بالحسنة مما يجلب المودة ويقي شر نزغات الشيطان، قال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34}، كما أن الإحسان والمبادرة بالكلام الطيب لهؤلاء الأقارب ولو تكلفا مما يذهب الأحقاد ويجلب المحبة، قال الغزالي: بل المجاملة تكلفا كانت أو طبعاً تكسر سورة العداوة من الجانبين وتقلل مرغوبها وتعود القلوب التآلف والتحاب وبذلك تستريح القلوب من ألم الحسد وغم التباغض. إحياء علوم الدين.
ومن الأمور النافعة في علاج الحقد والبغضاء أن يدعو الإنسان بظهر الغيب لمن يشعر نحوه بحقد أو كراهية، فإن ذلك بإذن الله يذهب ما بقلبه ويرد كيد الشيطان.
والله أعلم.