السؤال
قلتم إن محبه شخص أكثر من حب الله تعتبر شركا. هل إذا أحببت شخصا أخلد في النار؟ وهل لا تقبل صلاتي؟ وإذا كان حبي لله غير قوي وأشعر أني أحب واحدا أكثر وأذهب أزوره. هل يستوجب ذلك خلودا في النار؟ وهل إذا تبت علي الاغتسال؟ أرجو الرد هل علي الاغتسال والشهادة خصوصا. سألت هذا السؤال قبل وفهمتوني بشكل غلط أنا أقصد علي اغتسال أم لا؟ وهل الخوف والخشية والحياء من غير الله أكثر وعدم التوكل كله يستوجب الاغتسال؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلو تحقق أن إنسانا يحب أحدا أكثر من محبة الله تعالى، فهو مشرك لا يستحق اسم الإيمان، وهذا المحبوب إنما هو ند لله تعالى اتخذه هذا الإنسان السفيه، قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ. {البقرة : 165}.
قال صاحب (معارج القبول): أخبرنا الله عز و جل أن عباده المؤمنين أشد حبا له؛ وذلك لأنهم لم يشركوا معه في محبته أحدا كما فعل مدعو محبته من المشركين الذين اتخذوا من دونه أندادا يحبونهم كحبه، وعلامة حب العبد ربه تقديم محابه وإن خالفت هواه، وبغض ما يبغض ربه وإن مال إليه هواه، وموالاة من والى الله ورسوله، ومعاداة من عاداه، واتباع رسوله صلى الله عليه و سلم واقتفاء أثره، وقبول هداه، وكل هذه العلامات شروط في المحبة لا يتصور وجود المحبة مع عدم شرط منها. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب (الاستقامة): من أحب شيئا غير الله كما يحب الله فهو من المشركين لا من المؤمنين، ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم من محبته، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه في الصحيحين: والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين. وفي صحيح البخاري أن عمر قال له: يا رسول الله؛ والله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي. فقال: لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك. قال: فأنت أحب إلى من نفسي. قال: فأنت الآن يا عمر".
وفي الصحيحين أنه قال: ثلاث من كن فيه فقد وجد حلاوة الإيمان ـ وفي لفظ: لا يجد حلاوة الإيمان إلا من كان فيه ثلاث خصال ـ أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار.
وقد قال الله تعالى: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره). فلم يرض منهم أن يكون حبهم لله ورسوله كحب الأهل والمال، وأن يكون حب الجهاد في سبيله كحب الأهل والمال بل حتى يكون الجهاد في سبيله الذي هو تمام حبه وحب رسوله أحب إليهم من الأهل والمال، فهذا يقتضي أن يكون حبهم لله ورسوله مقدما على كل محبة ليس عندهم شيء يحبونه كحب الله بخلاف المشركين. اهـ.
وعلق رحمه الله تعالى في (درء تعارض العقل والنقل) على حديث عمر السابق فقال: إذا كان هذا في حب الرسول التابع لحب الله، فكيف في حب الله الذي إنما وجب حب الرسول لحبه، والذي لا يجوز أن نحب شيئا من المخلوقات مثل حبه، بل ذلك من الشرك .. وهذا هو دين الإسلام الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه وهو أن يعبد الله وحده لا شريك له، والعبادة تجمع كمال الحب مع كمال الذل، فلا يكون أحد مؤمنا حتى يكون الله أحب إليه من كل ما سواه وأن يعبد الله مخلصا له الدين. اهـ.
فإذا صار حب غير الله كحب الله تعالى عند أحد من الناس فهو مشرك، وإذا وقع مسلم في مثل هذا صار مرتدا والعياذ بالله، وراجع تفصيل ذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 116438، 97778، 7386، 18165.
وإذا تحققت هذه الردة وجب على صاحبها إذا أراد العودة للإسلام أن ينطق بالشهادتين، وعليه أيضا على الراجح من قولي أهل العلم أن يغتسل وجوبا، وراجع في حكم غسل الكافر الأصلي والمرتد إذا أسلما، الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 33821، 68313، 76190.
هذا، والذي نستشعره أن السائل عنده نوع من الوسوسة في مسائل الكفر والردة والاغتسال منها، فإن كان كذلك فليعلم أن الاغتسال فرع للحكم بالردة، فلا بد من ثبوتها أولا، وقد تقرر في الشريعة أن من ثبت إسلامه بيقين، فلا يزول إسلامه بالشك، وأن الأصل بقاء ما كان على ما كان، فلا يكفر المسلم إلا إذا أتى بقول أو بفعل أو اعتقاد دل الكتاب والسنة على كونه كفراً أكبر مخرجا من الملة، أو أجمع العلماء على أنه كفر أكبر، ومع ذلك، فلا يحكم بكفر المعين إلا إذا توفرت فيه شروط التكفير وانتفت عنه موانعه، ومن ذلك أن يكون بالغاً عاقلاً مختاراً غير معذور بجهل أو تأويل.
وعلى السائل الكريم أن يطرح عن نفسه هذه الأفكار ولا يجعل للشيطان عليه سبيلا، فإن الوسوسة مرض شديد وداء عضال، والاسترسال معها يوقع المرء في الحيرة والشك المرضي، والضيق والحرج الشرعي، وراجع تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 133016وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.