السؤال
أنا منذ صغري كنت أنذر لأمي التي ضحت بالغالي والنفيس من أجلي أنني عند ما سأكبر سأعوض لها كل ما فعلته من أجلي، ولكني عندما كبرت جاءت الأمور غير ما أشتهي، فأنا مصاب بمس، إلى جانب أن أحدهم ضيع حياتي بالسحر، والآن أنا غير قادر على العمل تقريبا، ولكني أحس بالذنب تجاه ما نذرت به لأمي، وأخشى أن يعاقبني الله على ما نذرت به لأمي. والآن أريد الاستشارة في الأمر؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالذي فهمناه من السؤال أن السائل الكريم نذر أن يعوض أمه عن كل ما فعلته من أجله عندما يكبر. فإن كان الأمر كذلك، فإننا بداية ننبهه على أن حق أمه عليه أكبر من أن يستطيع تعويضها عنه مهما فعل.
فعن أبي بردة أنه شهد ابن عمر، ورجلٌ يمانيٌ يطوف بالبيت حمل أمه وراء ظهره - يقول:
إني لها بعيرها المذلل * إن أذعرت ركابها لم أذعر
ثم قال: يا ابن عمر! أتراني جزيتها؟ قال: لا، ولا بزفرة واحدة. رواه البخاري في الأدب المفرد، وصحح الألباني إسناده.
وعلى ذلك فهذا النذر لا يمكن الوفاء به على مقتضى اللفظ الذي أطلقه السائل: " كل ما فعلته من أجلي" . وإن كان مراده ونيته أن يفعل من أجلها ما يستطيع فعله من أنواع البر والإحسان الواجب والمستحب، فأما الواجب فلا ينعقد نذره فيه، لأن النذر التزام، ولا يصح التزام ما هو لازم بأصل الشرع، وأما المستحب فهو لا ينحصر ولا يمكن الإتيان بكل أفراده، فلا يجب عليه حينئذ إلا ما يطيقه منه بحسب حاله. وأما ما لا يطيقه فيلزمه فيه كفارة يمين على الراجح. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ. رواه مسلم.
وكفارة اليمين تكون بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، ومن لم يستطع فعليه صيام ثلاثة أيام. وذلك أن أهل العلم قد اختلفوا في من نذر طاعة فلم يطق أداءها ابتداء، أو عجز عن أدائها بعد أن كان قادرا عليها، ومذهب الحنابلة أن من نذر ما لم يطقه أو عجز عنه عجزا لا يرجى زواله فعليه كفارة يمين، وإذا كان عجزه عن ذلك مرجو الزوال انتظر زواله وأدى ما وجب عليه بالنذر، ولا تلزمه كفارة في هذه الحالة، وإن أطاق البعض أتى به وكفر للباقي. وهذا هو الراجح، وقد ذهب بعض أهل العلم كالمالكية إلى أن من نذر ما لا يطيق أبدا فلا يلزمه شيء بهذا النذر.
كما جاء في (الموسوعة الفقهية) تحت عنوان: نذر طاعة لا يطيقها الناذر أو عجز عنها بعد قدرته.
وقد سبق بيان أنواع النذر وكفارته في الفتوى: 1125.
والذي نوصيك به أن تكثر من الدعاء لأمك، وتقدم لها من أنواع البر والإحسان ما يناسب حالك وقدرتك، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وما جعل علينا في الدين من حرج. وأن تخرج مع ذلك كفارة يمين احتياطا وخروجا من الخلاف.
وأما بخصوص موضوع المس والسحر، فإن أفضل طرق علاج ذلك أن يعالج الإنسان نفسه بنفسه، بتوكله على الله وحسن الظن به، وصدق اللجوء إليه، وكثرة الصلاة والتلاوة والذكر والدعاء واستعمال الرقية الشرعية، وغير ذلك من وسائل علاج السحر، التي سبق بيانها في الفتاوى: 3273، 5252، 5433، 116797.
ثم ننبه السائل الكريم على أنه لا يجوز لأحد أن يتهم أحدا بالسحر إلا ببينة، فالاتهام بالسحر أمر خطير ولا يكفي فيه مجرد الشك، والشيطان حريص على أن يشكك بعض الناس في بعض، ليفسد ذات بينهم، وخصوصا بين الأقارب والأرحام والأصهار، كما سبق بيانه في الفتويين: 52916، 58297.
والله أعلم.