الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد ذكر الفقهاء أن الفقير المستحق للزكاة هو من لا يجد ما يكفيه هو ومن تلزمه نفقته لحاجاتهم الأصلية من ضروريات الحياة مدة سنة ومثلوا لذلك بما يحتاج له من مأكل ومشرب وملبس ومسكن ودواء، فقد جاء في الموسوعة الفقهية: ذهب الجمهور ـ المالكية وهو قول عند الشافعية وهو المذهب عند الحنابلة ـ إلى أن الواحد من أهل الحاجة المستحق للزكاة بالفقر أو المسكنة يعطى من الزكاة الكفاية أو تمامها له ولمن يعوله عاماً كاملاً، ولا يزاد عليه إنما حددوا العام، لأن الزكاة تتكرر كل عام غالباً، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ادخر لأهله قوت سنة. انتهى.
فلا يزاد أحد على السنة إلا إذا خشي عليه أن يكون عرضة للضياع بعد السنة بشرط أن تستند الخشية إلى سبب ظاهر، يقول صاحب الكفاف: ومصرف من عنده كفاف * عام وبعد ضيعة يخاف.
فمن كان لها دخل لا يكفي لسد حاجاتها وحاجة عيالها من مأكل ومشرب ومسكن ونحو ذلك لمدة سنة أو كانت تخشى عليها الضيعة، فلا مانع من صرف الزكاة إليها، لأن الزكاة من مقاصدها كفاية الفقير وسد حاجته فيعطى من الصدقة القدر الذي يخرجه من الفقر إلى الغنى، ومن الحاجة إلى الكفاية على الدوام، قال صاحب مغني المحتاج: الفقير هو من لا مال له ولا كسب يقع جميعهما أو مجموعهما موقعاً من حاجته، والمراد بحاجته ما يكفيه مطعماً وملبساً ومسكناً وغيرهما مما لا بد له منه على ما يليق بحاله وحال من في نفقته من غير إسراف ولا تقتير. انتهى باختصار.
وقال الشيخ زكريا في أسنى المطالب: أهل الزكاة أي مستحقوها أصناف ثمانية: الأول: الفقير وهو الذي لا مال له ولا كسب يقع موقعاً من كفايته مطعماً وملبساً ومسكناً وغيرهما مما لا بد له منه على ما يليق وبمن في نفقته، لخبر لا حظ فيها لغني ولا لذي قوة يكتسب. رواه أبو داود، وصححه الإمام أحمد وغيره. انتهى.
فإذا كانت ابنة أختك بهذه المثابة فتدفع الزكاة إليها إن لم يمكنها توفير مسكن ولو بالإيجار، فقد بينا في الفتاوى التالية أرقامها: 56238، 103986، 27284، 69848، أنه لا مانع من إعطاء الفقير من الزكاة لشراء مسكن، لأن المسكن من ضرورات الحياة كما هو معلوم، وذلك بشرطين: الأول: أن لا يكون له مسكن يكفيه وعياله.
الثاني: أن يكون عاجزاً عن السكن ولو بالأجرة التي لا تجحف به، ولا يمنع تطوع الأخوال لها بإعارة سكن أن يدفع لها من الزكاة ما توفر به السكن إذ يحتمل قطعهم الإعارة في أي وقت، قال صاحب الكفاف:
ودفعها لمنفق تبرعاً * من غير من أنفقه لن يمنعا.
وقد ذكر الدسوقي في حاشيته على شرح مختصر خليل خلافاً في ذلك فذكر أن: من كان له منفق مليء ينفق عليه تطوعاً فله أخذها كما ذكره الحطاب وذلك، لأن للمنفق المذكور قطع النفقة ولا فرق بين كون ذلك المنفق المتطوع قريباً أو أجنبياً، إلى أن قال: والحاصل أن من كانت نفقته لازمة لمليء لا يعطى اتفاقاً، وإن تطوع بها مليء ففيها أربعة أقوال: قيل: يجوز له أخذها وتجزئ ربها مطلقاً، وهو الذي في ح - يعني الحطاب - وهو المعتمد.
وقيل: لا تجزئ مطلقاً، وهو لابن حبيب.
وقيل: لا تجزئ إن كان المنفق قريباً وتجزئ إن كان أجنبياً وهو ما نقله الباجي.
وقيل: إنها تجزئ مطلقاً مع الحرمة وهو ما رواه ابن أبي زيد. انتهى.
وقال في الموسوعة الفقهية: ومن كان مستغنياً بأن تبرع أحد من الناس بأن ينفق عليه، فالصحيح عند الحنابلة أنه يجوز إعطاؤه من الزكاة.انتهى.
ويرى الشيخ العلامة العثيمين ـ رحمه الله ـ أنه لا يشترى للفقير مسكن من مال الزكاة، بل يؤجر له منها ويعطى الباقي لفقراء آخرين، فقد قال ـ رحمه الله ـ في فتاواه في برنامج نور على الدرب: لا أرى جواز دفع الزكاة لشراء منزل لفقير، وذلك لأن شراء المنزل سوف يأخذ مالاً كثيراً، وإذا كان المقصود دفع حاجة الفقير فإنه يستأجر له من الزكاة، وأضرب لذلك مثلاً برجل فقير يمكن أن يستأجر له بيتاً لمدة عشر سنوات بعشرة آلاف ريال ولو اشترينا له بيتاً لم نجد إلا بمائة ألف أو مائتي ألف فلا يجوز أن نصرف له هذا، ونحرم الفقراء الآخرين، ونقول: يستأجر للفقير، وإذا تمت مدة الأجرة وهو لا زال فقيراً استأجرنا له ثانياً، وأما شراء بيت له من الزكاة فلا أرى جوازه، نعم إن كان أحد من أهل العلم أفتاهم بجواز ذلك فالمسألة مسألة اجتهاد. انتهى.
وأما توفيركم الحاصل من الزكاة حتى تشتروا لها بيتاً فلا حرج في ذلك إن كنتم الموكلين على أمرها وأمر عيالها من طرف القاضي وكان ذلك هو الأصلح لهم، وأما إن كانت مستقلة بتدبير أمورها وأمور عيالها فيتعين تسليم المال إليها ولا مانع من تقديم المشورة لها.
والله أعلم.