السؤال
أنا من رواد المنتديات الإسلامية، وقد رأيت أن أشخاصا كثيرين يسألون عن حكم سب الله وسب الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد رأيت ثلاثة أراء للعلماء في الموضوع:
الأول: من سب الله والرسول قتل حدا وردة وحكمه حكم الزنديق.
الثاني: من سب الله والرسول يستتاب ولا يقتل.
والثالث وهو الأرجح: قرأته لكثير من العلماء ومنهم ابن العثيمين في كتابه فتاوى العقيدة، وهو التفريق بين سب الله وسب الرسول، فمن سب الله يستتاب ولا يقتل لأن حق الله يسقط بالتوبة، ومن سب الرسول يستتاب ويقتل، وذلك لأن سب الرسول به حقان :حق شرعي وهو حق الرسالة كونه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يسقط بالتوبة، وحق شخصي أو آدمى كونه من البشر وهذا لا يسقط بالتوبة وعليه يقتل حدا لآدمى ميت لم يعلم عفوه. ولكن هذا كله فيمن وصل أمره إلى السلطان والتوبة هنا هي الاستتابة أي التوبة المسقطة للحد والعقوبة عند السلطان، وليست التوبة الماحية للذنب عند الله وهو ما يسأل الناس عن حكمه بمعنى حكم من سب الله ورسوله سرا فيما بينة وبين الله ولم يصل إلى السلطان أو الإمام ؟
السؤال الذي أرجو منكم شيخنا الفاضل توضيحه، والإجابة عليه:
إذا سب شخص مسلم الرسول صلى الله عليه وسلم سرا فيما بينه وبين الله، ثم جدد إسلامه وتاب وصلى على النبي، هل بإسلامه وتوبته سقط الكفر أي غفر الله له كفره أم لا ؟
وإذا كان الحد حقا لآدمى أي على الحق الشخصي للرسول فهل له أي صلة بمغفرة الله له ككفره وصحة إسلامة ودخوله الجنة؟
وهل إقامة الحد من شروط قبول توبته إذا سب الإنسان الرسول سرا فيما بينه وبين الله فهل علية أن يذهب إلى الإمام ويظهر ذنبه ليقيم علية الحد أم أنه يتوب سرا كما سب سرا من غير احتجاج إلى أن يظهر ذنبه ويفضح نفسه ؟ و كيف يؤدي الحق الشخصي أو الآدمي للرسول وقد تعذر طلب العفو أو الاستحلال، أم أنه يكفيه الإكثار من الصلاة على النبي والاستغفار؟ وهل يأخذ النبي من حسناته يوم القيامة كغيره من البشر؟
أرجو من فضيلتكم التوضيح، والاستفاضة والرد على كل جزء من السؤال؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقبل الجواب على السؤال نريد أولا أن ننبه إلى أن السؤال يشتمل على شيء من التناقض. مثل قوله صاحبه : قتل حدا وردة وحكمه حكم الزنديق وقوله: يستتاب ولا يقتل أو يستتاب ويقتل، وغير ذلك .
وعلى أية حال فنقول: إن سب النبي صلى الله عليه وسلم كفر مخرج من الملة بلا خلاف، جاء في الموسوعة الفقهية: حكم سابه صلى الله عليه وسلم أنه مرتد بلا خلاف. اهـ.
وفي موضع آخر: ورد في الكتاب العزيز تعظيم جرم تنقص النبي أو الاستخفاف به، ولعن فاعله. وقد ذهب الفقهاء إلى تكفير من فعل شيئا من ذلك. اهـ.
لكن إن تاب صاحبه توبة نصوحا فإن الله يتوب عليه، فإن التوبة تجُبُّ ما قبلها وتمحو المعاصي كلها، حتى الشرك، والخلاف الحاصل بين أهل العلم في قبول توبة الساب، إنما هو في رفع القتل عنه بالتوبة، لا في انتفاعه بتوبته عند الله تعالى في الآخرة، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. {الزمر:53}، وقد سبق التنبيه على ذلك في الفتويين رقم: 117954، 17316.
وأما حق النبي وكيف يؤدى، وهل يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة من حسنات من تاب من سبه ؟ فالجواب أن التوبة النصوح تكفي صاحبها من ذلك كله إن شاء الله، فإن الإسلام يجبُّ ما قبله.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (الصارم المسلول): لا ريب أن توبتهم – يعني المنافقين الذين سبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بينهم وبين الله مقبولة إذا كانت توبة صحيحة، ويغفر لهم في ضمنها ما نالوه من عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أبدلوه من الإيمان به، وما في ضمن الإيمان به من محبته وتعظيمه وتعزيره وتوقيره، واعتقاد براءته من كل ما رموه به.
وراجع في ذلك الفتوى الأولى التي تقدمت الإحالة إليها.
وأما مسألة الذهاب للإمام لإقامة الحد فهذا لا يلزم، بل يلزمه التوبة والنصح فيها، ويستر على نفسه ويحسن في ما بقي، فقد قال صلى الله عليه وسلم: من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر. متفق عليه.
والله أعلم.