السؤال
عند السؤال عن جماع الزوجة في الدبر يرد عليك بمجموعة من الأحاديث الضعيفة. والواضح أن هذا الأمر كما قال الشافعي: لم يثبت فيه التحليل أو التحريم والأصل فيه الإباحة. ومالك أحله. وهناك حوار للشافعي في نيل الأوطار ج3 يثبت بالعقل أنه مباح. وإليك جزءا من هذا المبحث: بقيت مسألة في هذا الموضوع ما أحببت أن أتحدث فيها إلا لما رأيت من كثرة اختلاف الناس حولها ، ألا وهي جماع المرأة في دبرها أي من الخلف، وقد اختلف الناس قديما وحديثا حول هذا الموضوع أهو حلال أم حرام؟ أقول وبالله التوفيق: إن جماع المرأة في دبرها من الخلف حلال ومباح ولا إثم فيه، ولم يرد نص في كتاب الله يحرم ذلك ، قال تعالى: وقد فصل لكم ما حرم عليكم، ولا يوجد في كتاب الله تفصيل حرمة إتيان النساء الزوجات في أدبارهن، بل إن هناك نصا في كتاب الله يبيح ذلك، قال تعالى: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم والحرث في اللغة هو: الزرع والمتاع ، والزرع هو مكان النبات وفيه كناية عن إنجاب الأولاد . أما المتاع في اللغة فهو: الشيء الجيد ، والسرور، والانتفاع الطويل ، وتمتع بالشيء : دام له ما يستمده منه ، وكما هو معروف أن اللفظ يؤخذ على عمومه ما لم يأت نص أو سياق يخرجه عن عمومه ، فالمرأة حرث للرجل أي موضع إنبات الولد ، ومتاع له : أي شيء جيد ومصدر لسرور الرجل والانتفاع الطويل الدائم لما يستمده منها من منفعة ، فاختيار معنى واحد من معاني الحرث وفرضه على الناس دون نص أو سياق من النص فهو تخصيص ما أنزل الله به من سلطان، ومن قال إن الاستمتاع بدبر المرأة حرام لزمه أن يحرم وضع الذكر في أي مكان من جسد المرأة غير الفرج ، وبالتالي يحرم أن يضع الرجل ذكره بين فخذيها أو بين رجليها أو بين ثدييها أو أن تمسكه بيديها وهذا ما لم يقل به أحد ولم يحرمه أحد . أما لفظ " أني" الذي ورد في قوله سبحانه: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم. ومفهوم هذه الآية طبقا للغة العربية نساؤكم حرث لكم أي موضع إنبات الأولاد ومتاع لكم أي سرور ومنفعة دائمة ، وللرجل أن يتمتع بها أنى شاء أي أين وكيف ومتى شاء إلا في وقت الحيض وأثناء الاعتكاف في المساجد ، ولفظ أنى معناه كما أتي في جميع كتب اللغة العربية كالآتي :
جاء في المعجم الوجيز أنى : تكون شرطية بمعنى أين ، واستفهامية بمعنى من أين كما جاء في القرآن [يا مريم أني لك هذا] بمعنى من أين لك هذا ؟ وبمعنى كيف جاء في القرآن [أنى يحيي هذه الله] أي كيف يحيي هذه الله.
وفي كتاب: شرح المفصل لابن يعيش تأتي للمجازاة أي للمكافأة كقول الشاعر:{فأصبحت أنى تأتيها تشتجر بها} فتكون بمعنى أين، وأين ظرف مكان مبني على الفتح وأنى في هذه الآية بمعنى أين وليس بمعنى الاستفهام بل هي في الآية ليست للاستفهام، فهي شرطية أو مجازية وفي كلا الحالتين تأتي بمعنى أين ، وأين ظرف مكان يعني فأتوا حرثكم أنى شئتم، أي في أي مكان شئتم في القبل أو الدبر، وكما هو معلوم عند أهل اللغة أن اللفظ في العربية يحمل ابتداء على العموم إلا إذا أتى نص يخصص ذلك أو يخصص من قبل السياق نفسه وعموم لفظ أنى في هذه الآية يقتضي: كيف ، ومتى ، وأين ، ومن أين ، ولا تخصص على موضع بعينه إلا بنص محكم من القرآن. كثير من الناس الذين يحرمون إتيان الزوجة في دبرها يربطون هذا الأمر بفعل قوم لوط ، ويقولون هذا هو نفس الفاحشة التي كان يرتكبها قوم لوط ، وللرد عليهم نقول: إنكم لو قرأتم ما ورد في القرآن عن قوم لوط لعلمتم خطأ قولكم وخطأ ربطكم بين قوم لوط وبين إتيان المرأة في دبرها، فقد وردت قصة قوم لوط في القرآن ثماني مرات ومن يقرأ النصوص التي وردت في قوم لوط لعلم أن الأمر غير ما يفهمون تماما ، ولا يصح مطلقا قياس فعلة قوم لوط على إتيان المرأة في دبرها ، فشتان بين قوم لوط وبين أن يأتي الرجل زوجته في دبرها من الخلف.
إن القياس بين فعل قوم لوط وبين جماع الزوجة في دبرها هو خطأ فادح، إذ إن قوم لوط لم تكن جريمتهم في الفعلة نفسها الجماع في الدبر، وإنما جريمتهم كانت في أن الرجل يفعل هذه الفعلة مع رجل مثله وليس مع امرأة ، فإنهم كانوا يشتهون الرجال من دون النساء، تلك هي جريمتهم ، وهذه هي الفاحشة التي أنكرها الله عليهم ونهاهم عنها لوط عليه السلام، ولما لم ينتهوا عن ذلك عاقبهم الله بأن دمر الله عليهم قريتهم وأرسل عليهم حجارة من سجيل وخسف بهم الأرض ،إذاً كانت جريمتهم اشتهاء الرجل للرجل ، وإعراضهم عن النساء والزوجات وعدم رغبتهم فيهن ، فهم تركوا النساء تماماُ ، وكان كل فعلهم مع الرجال أمثالهم ، ونصوص القصة التي وردت في القرآن تؤكد ذلك تماما ، ولنعرض ما جاء في شأن قوم لوط على محورين على النحو التالي :
المحور الأول: شهوتهم للرجال من دون النساء. قال تعالى إنكم لتأتون....