السؤال
أيها الشيوخ الأفاضل أريد أن أسأل:
خطيبنا في الخطبة يبكر الجمعة, وقد نقلنا إليه إجابة محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله-فيما يتعلق بتبكير الإمام إلى الجمعة, ورفض الإمام إجابة العثيمين وقال لنا: ورد ذكر بكور الإمام أحمد إلى الجمعة ثم كان أول الناس انصرافا في كتاب الخلال في جامعه, انظر فتح الباري لابن رجب 8-340
أما الإمام أبو حنيفة فانظر كتاب أخبار أبي حنيفة للصيمرى ص 50.
أما الأوزاعي في كتاب سير أعلام النبلاء تكلم عن سنة تبكير الإمام الجمعة.
سؤالنا أيها الشيوخ الكرام:
كيف نرد على هذا الإمام بالدليل من الكتاب والسنة وما هي صحة هذه الكتب وأقوال العلماء التي ذكرها الإمام وهل الخطيب عليه أن يبكر للجمعة أم لا كما قال العثيمين، أفيدونا أفادكم الله, ونطلب منكم مشكورين أن نحصل الإجابة بأسرع وقت ممكن وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فدراسة الفقه ومعرفة اختلاف العلماء من أعظم الأشياء إعانة على تحصيل سعة الصدر واحتمال المخالف في مسائل الاجتهاد، فمثلُ هذه المسائل الخلافية لا ينبغي أن تزيل المودة والألفة بين المسلمين، وإذا كان هذا الإمام وفقه الله قد تمسك بعمومات الأدلة القاضية باستحباب التبكير للجمعة ففعل ما يراه سنة لم يجز الإنكار عليه إلا في حدود المناقشة العلمية الهادئة، وما ذهب إليه من استحباب التبكير للإمام يميلُ إليه بعض العلماء كالحافظ ابن حجر فقد قال في الفتح عند كلامه على قوله صلى الله عليه وسلم : فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر: استنبط منه الماوردي أن التبكير لا يستحب للإمام. وما قاله غير ظاهر لإمكان أن يجمع بين الأمرين بأن يبكر ولا يخرج من المكان المُعدّ له في الجامع إلا إذا حضر الوقت. انتهى.
لكن مع ما تقدم فلا بُد من الحرصِ على السنة والاجتهاد في تطبيقها، والذي يظهرُ لنا هو ما أفتى به العلامة العثيمين من أن الإمام لا يُستحب له التبكير للجمعة.
ونحن نهمس في أذن هذا الخطيب الفاضل قائلين له ما استدللت به ليس فيه دليل فكون أحمد وأبي حنيفة يبكرون للجمعة هو المظنون بهم وهم الأئمة الأعلام، ولم يكونوا هم أئمة في الجمعة حتى يُستدل بفعلهم على أن مذهبهم مشروعية التبكير للإمام، فإن إمام الجمعة في هذا الزمن كان ولي الأمر أو عامله على البلد، ولم يكن هؤلاء الأئمة من ولاة الأمر ولا ممن يؤمون الناس في الجمعة، وما أوهمه من أن مذهب الأوزاعي مشروعية التبكير للإمام ليس بشيء.
فما جاء في السير للذهبي: قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: قُلْتُ لِسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ: مَنْ أَدْرَكتَ مِنَ التَّابِعِيْنَ كَانَ يُبَكِّرُ إِلَى الجُمُعَةِ؟
قَالَ: مَا رَأَيْتَ أَبَا عَمْرٍو؟
قُلْتُ: بَلَى.
قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ كَفَا مَنْ قَبْلَهُ، فَاقْتَدِ بِهِ، فَلَنِعْمَ المُقْتَدَى.انتهى.
فهذا في تبكير المأموم وليس هو محل النزاع، وما استنبطه الماوردي من قوله صلى الله عليه وسلم: فإذا خرج الإمام جلست الملائكة يستمعون الذكر ، ظاهرٌ كل الظهور وإن لم يستظهره الحافظ ، وعمل الأئمة المتتابع عبر العصور هو عدم التبكير للجمعة.
قال النووي في شرح المهذب: ومعلومٌ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى الجمعة متصلاً بالزوال، وكذلك جميع الأئمة في جميع الأمصار وذلك بعد انقضاء الساعة السادسة. انتهى.
وقال ابن القيم في الهدي: وكان صلى الله عليه وسلم يمهل يوم الجمعة حتى يجتمع الناس، فإذا اجتمعوا خرج إليهم، فإذا دخل المسجد سلم عليهم، فإذا صعد المنبر استقبل الناس بوجهه وسلم عليهم..انتهى
فإذا كان هذا هو هديه صلى الله عليه وسلم وهدي الأئمة من بعده فالراجحُ إذاً هو القولُ بأن التبكير لا يُشرعُ للإمام، وأن أدلة التبكير إنما هي في حق المأموم، وانظر الفتوى رقم: 114445.
والله أعلم.