السؤال
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وجميع من والاه أما بعد : قبل مرض الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد جهز بعث أسامة، وأسامة لما يتجاوز التاسعة عشرة من عمره، فتأمير أي من الصحابة على هذا الجيش الكبير كان سيكون دليلا على أحقيته بالخلافة بلا منازع ففيه معظم كبار الصحابة، وذلك بعد وفاة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فلما تولاها أبو بكر رضي الله عنه نجد له في الفكر الإسلامي عموما شخصيتان : شخصية أخذت الحكم سطوة وبغير حق مخالفة لمنهج الرسول، وشخصية كانت استمرارا لمنهج الرسول. والغريب أن أحداث التاريخ للفترة الراشدية يقع فيها شبه اتفاق إلا ما ندر في بعض الوقائع، والآن لنحاول إثبات الشخصية الأولى حسب الأحداث التاريخية الكبرى، لأنه إن ثبتت الشخصية الأولى انتفت قطعا الشخصية الثانية والعكس بالعكس .
أول هذه الأحداث قضية فدك، فحسب هذه الشخصية فإنه منع فدك من فاطمة رضي الله عنها، وعليه تصبح هذه الشخصية حمقاء سياسيا ( جدلا)، لأن فدك لا يقوم عليها أمر الدولة أو ذات مداخيل رئيسية تهتز لها الخزينة، وكان يكفي لهذه الشخصية المتشبثة بالحكم التنازل عن فدك لربح خصم سياسي مهم ــ لكن الذي حدث أنه ضم فدك لمال المسلمين حسب وصية الرسول قي رأيه ــ .
القضية الثانية بعث أسامة وفيها أمران الأول قيادة الجيش والثانية وجهة الجيش، فالأول أنه عارض الذين رأوا بضرورة تغيير قائد الجيش وكان لابد تبعا لهذه الشخصية التي سرقت الحكم أن تضع مقاليد القيادة فيمن تثق فيه لتثبيت الحكم الجديد غير أنه أصر على قيادة أسامة للجيش حسب وصية الرسول مع أنه شاب يافع، والثاني وجهة هذا الجيش وعارض أيضا من رأوا بتغيير وجهة الجيش لمرتدي العرب ودرء الخطر عن المدينة، وهنا يصعب فهم هذه الشخصية فهو يخالف النبي بأخذه الخلافة بغير وجه حق وفي نفس الوقت يعرض حكمه المبتدئ لخطر الزوال بإرسال معظم المسلمين لتخوم الجزيرة معللا ذلك بالتزامه بوصية الرسول . والقضية الثالثة وهي الردة حيث نجده مرة أخرى يعارض مخالفيه بإمكانية التفاهم معهم ويصر على ضرورة قتالهم حتى يعودوا كما كانوا على عهد الرسول، وجملة فإنه يبدو أن هذه الأحداث تتعارض تماما مع شخصية كهذه، ونرجو لكم التوفيق فقد آثرت الاختصار وشكرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالذي ظهر لنا من كلام السائل أنه يريد إثبات أن خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه كانت خلافة راشدة على منهاج النبوة والأمر كذلك، والواقع يشهد به، فالصديق رضي الله عنه لم يكن يريد الحكم لدنيا كما لم يكن معتديا بتوليه الخلافة بل تولاها بإجماع المسلمين على بيعته، وكان رضي الله عنه بارا راشدا وأفعاله وتصرفاته كلها تدل على ذلك، ولم يختلف الصحابة في هذا، ومنهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، فقد روى الذهبي وغيره بسنده عن الحسن قال: لما قدم على البصرة قام إليه ابن الكواء وقيس بن عباد فقالا له: ألا تخبرنا عن مسيرك هذا الذي سرت فيه تتولى على الأمة تضرب بعضهم ببعض، أعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم عهده إليك؟ فحدثنا فأنت الموثوق المأمون على ما سمعت، فقال: أما أن يكون عندي عهد من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فلا والله، إن كنت أول من صدق به فلا أكون أول من كذب عليه، ولو كان عندي من النبي صلى الله عليه وسلم عهد في ذلك ما تركت أخا بني تيم بن مرة وعمر بن الخطاب يقومان على منبره ولقاتلتهما بيدي ولو لم أجد إلا بردي هذا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل قتلا ولم يمت فجأة مكث في مرضه أياما وليالي يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس وهو يرى مكاني، ثم يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس وهو يرى مكاني، ولقد أرادت امرأة من نسائه أن تصرفه عن أبي بكر فأبى وغضب وقال: أنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر يصلي بالناس، فلما قبض الله نبيه نظرنا في أمورنا فاخترنا لدنيانا من رضيه نبي الله لديننا، وكانت الصلاة أصل الإسلام وهي أعظم الأمر وقوام الدين، فبايعنا أبا بكر وكان لذلك أهلا لم يختلف عليه منا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع منه البراءة، فأديت إلى أبي بكر حقه وعرفت له طاعته وغزوت معه في جنوده، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي، فلما قبض ولاها عمر فأخذ بسنة صاحبه وما يعرف من أمره فبايعنا عمر لم يختلف عليه منا اثنان ولم يشهد بعضنا على بعض ولم نقطع البراءة منه، فأديت إلى عمر حقه وعرفت طاعته وغزوت معه في جيوشه، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي، فلما قبض تذكرت في نفسي قرابتي وسابقتي وسالفتي وفضلي وأنا أظن أن لا يعدل بي ولكن خشي أن لا يعمل الخليفة بعده ذنبا إلا لحقه في قبره فأخرج منها نفسه وولده، ولو كانت محاباة منه لآثر بها ولده فبرئ منها إلى رهط من قريش ستة أنا أحدهم، فلما اجتمع الرهط تذكرت في نفسي قرابتي وسابقتي وفضلي وأنا أظن أن لا يعدلوا بي، فأخذ عبد الرحمن مواثقنا على أن نسمع ونطيع لمن ولاه الله أمرنا، ثم أخذ بيد ابن عفان فضرب بيده على يده فنظرت في أمري فإذا طاعتي قد سبقت بيعتي وإذا ميثاقي قد أخذ لغيري، فبايعنا عثمان فأديت له حقه وعرفت له طاعته وغزوت معه في جيوشه، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا إغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي، فلما أصيب نظرت في أمري فإذا الخليفتان اللذان أخذاها بعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهما بالصلاة قد مضيا وهذا الذي قد أخذ له الميثاق قد أصيب، فبايعني أهل الحرمين وأهل هذين المصرين. اهـ
والله أعلم.