السؤال
بعثت إليكم بسؤال بأنني لا أستطيع الصلاة فى المساجد لأن معظم الأئمة ينطقون فى الفاتحة كلمة، "المستقيم"، "المصطقم" وأحلتمونى إلى سؤال يقول صاحبه إن أقرب مسجد له يبعد حوالي 350 متر وهم يلحنون، لحنا جليا، وأجبتموه أن يصلي في البيت وله الثواب غير أن حالي مختلف فأنا أقول إن معظم المساجد والأئمة يلحنون هذا اللحن الجلي في مصر وخارج مصر، وسؤالي: هل يجوز لي الصلاة في المساجد مرة أخرى بسبب عموم البلوى؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمذهب جمهور العلماء أن الفاتحة ركن في كل ركعة من ركعات الصلاة، لا تصح الصلاة بدونها، فمن أخل بها بها أو بشيء منها لم تصح صلاته، بل نصوا على أن في الفاتحة إحدى عشرة شدة سوى ثلاث في البسملة إن قلنا هي آية منها، فمن ترك تشديدة منها لم تصح صلاته، ومن لحن فيها لحناً يحيل المعنى، كأن ضم التاء من أنعمت فقد بطلت صلاته، وكذا من أبدل حرفاً بحرف مع القدرة على النطق بالحرف الصحيح، كأن أبدل السين صاداً، أو الدال تاء، أو الذال زاياً، فصلاته كذلك باطلة لأنه لم يقرأ الفاتحة.
ولكن سهل بعض أهل العلم في الحروف المتقاربة المخرج كالضاد والظاء، ويرى شيخ الإسلام أن من أبدل الضاد ظاء فصلاته صحيحة لقرب المخرج ومشقة الاحتراز، قال رحمه الله: والوجه الثاني: تصح وهذا أقرب لأن الحرفين في السمع شيء واحد، وحس أحدهما من جنس حس الآخر لتشابه المخرجين، والقارئ إنما يقصد الضلال المخالف للهدى وهو الذي يفهمه المستمع، فأما المعنى المأخوذ من ظل فلا يخطر ببال أحد وهذا بخلاف الحرفين المختلفين صوتاً ومخرجاً وسمعا. انتهى.
ولكن أكثر العلماء على خلاف ذلك قال النووي رحمه الله في شرح المهذب: تجب قراءة الفاتحة في الصلاة بجميع حروفها وتشديداتها، وهن أربع عشرة تشديدة في البسملة منهن ثلاث فلو أسقط حرفاً منها أو خفف مشدداً أو أبدل حرفاً بحرف مع صحة لسانه لم تصح قراءته ولو أبدل الضاد بالظاء ففي صحة قراءته وصلاته وجهان للشيخ أبي محمد الجويني قال إمام الحرمين والغزالي في البسيط والرافعي وغيرهم (أصحهما) لا تصح وبه قطع القاضي أبو الطيب قال الشيخ أبو حامد كما لو أبدل غيره (والثاني) تصح لعسر إدراك مخرجهما على العوام وشبههم.
وعلى قياس ذلك إبدال التاء طاء، فقد قال بعض متأخري الحنفية وبعض متأخري الشافعية بأن الصلاة مع هذا تصح لمشقة الاحتراز وعموم البلوى، ولأن الأمر إذا ضاق اتسع، ومنهم من فرق بين صلاة العوام فصححها مع هذا الإبدال وصلاة الفقهاء، فقال ببطلانها لإمكان التحرز في حقهم.
قال الشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله. في المنح الفكرية شرح المقدمة الجزرية: وخلاصة المرام ما ذكره ابن الهمام من أن الفصل إن كان بلا مشقة كالطاء مع الصاد فقرأ الطالحات مكان الصالحات تفسد، وإن كان بمشقة كالظاء مع الضاد والصاد مع السين، والطاء مع التاء قيل تفسد، وأكثرهم لا تفسد، وذكر صاحب المنية أنه إذا قرأ الظاء مكان الضاد المعجمتين أو على القلب فتفسد صلاته وعليه أكثر الأئمة، وروي عن محمد بن سلمة لا تفسد لأن العجم لا يميزون بين هذه الأحرف، وكان القاضي الإمام الشهيد يقول الأحسن فيه أن يُقال إن جرى على لسانه ولم يكن مميزاً وكان في زعمه أنه أدى الكلمة على وجهها لا تفسد صلاته، وكذا روي عن محمد بن مقاتل وعن الشيخ الإمام إسماعيل الزاهد، قال الشارح وهذا معنى ما ذكر في فتاوى الحجة أنه يُفتي في حق الفقهاء بإعادة الصلاة، وفي حق العوام بالجواز، أقول هذا تفصيل حسن في هذا الباب والله أعلم بالصواب. انتهى كلامه رحمه الله بحروفه... والجمهور يأبون هذا كما رأيته في كلام النووي السابق.
إذا علمت هذا فمن المقطوع به أنه لا يصح الاقتداء بمن لا تصح صلاته لنفسه، وعليه فمذهب الجمهور أن صلاة من يلحن لحناً جلياً في الفاتحة باطلة، وسهل بعض متأخري الشافعية والحنفية في الحروف متقاربة المخرج التي يعسر على العوام التمييز بينها، والذي نراه أنه لا ينبغي بحال أن يعرض المسلم صلاته للبطلان، وأن الصلاة منفرداً خير من الصلاة خلف إمام يلحن لحناً جلياً في الفاتحة، فإذا كان الإمام بحيث إذا علم لم يتعلم فصلاته صحيحة لنفسه ولمن كان مثله دون سواهم.
وأما إذا كان بحيث إذا علم تعلم، فعليك أن تناصحه وتبين له خطأه وعلى كل حال اترك الصلاة خلفه، واحرص على الصلاة خلف إمام يتقن القراءة ويخرج الحروف من مخارجها الصحيحة، ومع انتشار الخير وفشو العلم في الناس فقد كثر هؤلاء الأئمة ولله الحمد، والمساجد التي تقيم السنة ويحسن أئمتها القراءة كثيرة بحمد الله في مصر وغيرها، فلن يعسر عليك مع التحري أن تجد الإمام المتقن الذي تصلي خلفه، والله لا يكلف نفساً إلا وسعها، فإن لم تجد فحكم المسألة هو ما علمت على الخلاف المشار إليه.
والله أعلم.