الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالجوابُ على سؤالك يحتاجُ إلى أن نقسمه إلى نقاط ليسهل عليكَ وعلى القراء تحصيلُ الفائدة.
أولاً: من قال ذكراً مشروعاً في غير موضعه كأن قرأ التشهد أو قال سبحان ربي الأعلى في الركوع سهواً، هل يشرع له سجود السهو ؟
فيه قولان معروفان للعلماء قال ابن قدامة في المغني: الثاني: ما لايبطل عمده الصلاة وهو نوعان:
أحدهما: أن يأتي بذكر مشروع في الصلاة في غير محله كالقراءة في الركوع والسجود.. وقراءة السورة في الأخيرتين من الرباعية أو الأخيرة من المغرب وما أشبه ذلك إذا فعله سهوا فهل يشرع له سجود سهو؟ على روايتين: إحداهما لا يشرع السجود لأن الصلاة لا تبطل بعمده فلم يشرع السجود لسهوه كترك سنن الأفعال.
والثانية: يشرع له السجود لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس. رواه مسلم. انتهى
وفد نص الشيرازي في المهذب على أنه إن قرأ القرآن في الركوع سجد، والقول بمشروعية السجود هنا أحوط وأوفق لعموم النص.
والقول الثاني أنه لا يُشرع في هذه الحال سجود سهو.
ثانياً: من ترك تسبيح الركوع أو السجود فهل يُشرعُ له سجود السهو ؟
فيه أقوالٌ للعلماء معروفة، فمذهبُ أحمد وجوبِ سجود السهو هنا لأن تسبيح الركوع والسجود عنده من واجبات الصلاة فتركه عمداً يبطلها، ومذهبه وجوب سجود السهو لما يُبطل عمده الصلاة، وذكر النووي في شرح المهذب أن مذهب الشافعي والأصحاب عدم مشروعية سجود السهو لترك التسبيح، وأن السجود له مشروعٌ عند مالك وأبي حنيفة قال رحمه الله: ذكرنا أن مذهبنا أنه لا يسجد لترك الجهر والإسرار والتسبيح وسائر الهيئات، وقال أبو حنيفة - رحمه الله -يسجد للجهر والإسرار، وقال مالك: يسجد لترك جميع الهيئات.
وبه تعلم أن القول بمشروعية سجود السهو في هذه الحال هو مذهبُ الجمهور، ويؤيده الحديث المتقدم ذكره في كلام ابن قدامة.
ثالثاً: كون السجود في الصورة الأولى وهي إذا قال في الركوع ما لا يشرع فيه بعدياً وفي الثانية قبلياً وهي لو ترك التسبيح في الركوع هو مذهبُ مالك واختيارُ شيخ الإسلام، فالسجودُ على هذا المذهب يُشرعُ للزيادة بعد السلام وللنقص قبل السلام، وفي المسألة أقوالٌ أخرى لا نطيلُ بذكرها وهذا أرجحها، وهذا مندوبٌ لا واجب فلو عكسَ صحت الصلاة.
رابعاً: من نسيَ الفاتحة ثم ذكر قبل وصوله إلى محلها من الركعة التالية، فإنه يقومُ من غير تكبير لأنه ليس محل انتقالٍ حتى يكبر له ثم يأتي بالفاتحة وما بعدها، وقد ذكرنا أقوال العلماء في المسألة في الفتوى رقم 48930.
خامساً: من نسيَ الركوع فسجد فإنه يقومُ من سجوده من غيرِ تكبير لأنه ليسَ من انتقالات الصلاة المشروعة فيها حتى يُشرع له التكبير، فإذا استتم قائماً فإن كان لم يتم قراءته أتمها، وإن كان أتمها كبر وركع، ولا يجوزُ أن يقوم من السجود إلى الركوع مباشرة لأن الهوي إلى الركوع ركنٌ مقصود فلا بد أن يأتيَ به بنية.
قال الشيخ العثيمين رحمه الله في مجموع فتاوى والرسائل: إذا تذكر المصلي أنه نسي الركوع، وهو ساجد فإن الواجب عليه أن يقوم من سجوده، ثم يكمل قراءته إذا كانت لم تكمل، ثم يركع ويكمل صلاته، ويسلم، ثم يسجد سجدتين ويسلم.. انتهى.
سادساً: من تكلم ساهياً في صلاته فالصحيحُ أن صلاته لا تبطل بذلك وهو مذهبُ كثيرٍ من أهل العلم واختيارُ شيخ الإسلام ابن تيمية، دليله قوله تعالى: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا {البقرة 286} وقال الله في جوابها ( قد فعلت ) أخرجه مسلم، وفي الصحيح أن معاوية بن الحكم تكلم في الصلاة جاهلاً بحرمة الكلام ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادتها، والناسي كالجاهل، إذا علمتَ هذا فالمشروعُ لمن نسيَ فتكلم في الصلاة أن يسجد للسهو.
قال النووي: ( والثاني ): ما تبطل الصلاة بعمده كالكلام والركوع والسجود الزائدين فهذا يسجد لسهوه إذا لم تبطل به الصلاة. انتهى.
سابعاً: من قال سبحان الله عند سماع تلاوة الإمام قد تقدم حكمه في الكلام على من قال ذكراً مشروعاً في غيرِ موضعه، وإن قال ذكراً مما لا يُشرع في الصلاة، كأن قال (الله) وهذا الذكر بالاسم المفرد غيرُ مشروعٍ في الصلاة ولا خارجها لكنه إذا قاله في الصلاة لا تبطل به صلاته لأنه ليس من كلام الناس، وفي سجود السهو له قوةٌ واتجاه.
ثامناً: من سلم قبل تمام صلاته فإنه يرجع إلى الجلوس، ثم يكبر تكبيرة الانتقال فحسب، ويقوم ويأتي بما بقي عليه من صلاته ويسجد للسهو بعد السلام، وليس عليه هنا تكبيرة إحرام لأن تكبيرة الإحرام تكون لافتتاح الصلاة لا في أثنائها.
تاسعاً: التكبير في سجود السهو سواءَ كان قبل السلام أو بعده سواء، وهو أن يكبرَ أثناء الهوي ثم يسجد ويطمئن ويقول ما يقوله في سجود الصلاة، ثم يرفع مكبراً، ويجلس مطمئنا، ثم يهوي للسجدة الثانية مكبراً، ثم يرفع مكبراً، فإذا استوى جالساً سلم عن يمينه وعن شماله كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة.
والله أعلم.