السؤال
أنا سأتكلم بصراحة... أنا أخاف من ربنا جداً جداً ولكن ليس لدي إحساس بحب ناحيته، عندما كلمة العذاب تذكر في القرآن أكثر من النعيم.. ولما أنا لا أعرف ربنا لماذا خلقني أساساً، وأتمنى ألا تقول إن ربنا أكرمك بنعم كثيرة، لأن هذا كله من الأساسيات التي كانت لا بد أن تبقى موجودة عموما في الحياة حتى تستمر، أنا أتكلم عموما..مثل التلميذ الذي يخاف من أستاذه فيعمل الواجب... لكن لا يوجد حب بينه وبين أستاذه إحساس أنها علاقة مصلحة... يعني أنا أعبدك يا رب وتجازيني بالجنة.. ولو لم يحصل ذلك لا توجد جنة، يعني لا يوجد أي حب فى الموضوع، فأرجو تصحيح فهمي لو كان خطأ وتوضيحه أكثر لو كان صحيحا، وأنا آسف إذا كانت لهجتي حادة ... أنا أمر بمرحلة صعبة جداً جداً من ناحية معتقداتي؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمحبة الله تعالى فرع لمعرفته، فلا يمكن أن نحب الله عز وجل دون أن نعرفه، كما لا يمكن أن نعرفه معرفة حقة ثم لا نحبه، لذلك ينبغي أن تكون بداية السائل هي التعرف على الله تعالى، ولا سبيل إلى معرفته عز وجل أقصر ولا أيسر، ولا أنفع ولا أرفع، من التعرف عليه من خلال كلامه سبحانه، أعني القرآن العظيم، فمن تدبر كتاب الله، وتفهم ما فيه من أسماء الله الحسنى، وصفاته العلى، وأفعاله المثلى -أحبه ولا شك-؛ فإن محبة الشيء إنما تكون لكماله في ذاته، وكماله في أفعاله، والله تعالى له الكمال المطلق في ذاته وأفعاله، فمن كمال ذاته كمال علمه وقدرته، وحكمته وعزته، وغناه وعظمته، إلى غير ذلك من صفات ذاته، ومن كمال أفعاله كمال عفوه ورحمته، وبره وإحسانه، وقهره وانتقامه، إلى غير ذلك من صفات أفعاله... وفهم هذه المعاني يحتاج لمدارسة لأسماء الله وصفاته، وهذا من مفاتيح الإيمان الضرورية لمعرفة الله تعالى.
ومن تدبر آيات القرآن التي تتناول الحديث عن الله تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله كآية الكرسي وسورة الإخلاص مثلا، يجد نفسه محبا لله، ومنيبا إليه، ومعظما له، ثم التفكر بعد ذلك في مخلوقات الله تعالى، وما أبدعه في هذا الكون الفسيح، يثمر هو الآخر زيادة معرفة بالخلاق العليم سبحانه وتعالى، ولا يملك الناظر المتجرد لبديع صنع الله في كونه إلا محبة الله وإجلاله والخشوع بين يديه، والإقبال بقلبه عليه... ثم التفكر بعد ذلك في نعم الله الخاصة والعامة، والنظر لحال من حرم من بعضها، يزيد من محبة الله والاستحياء منه، قال تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ {النحل: 18}، وقال: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ {النحل: 53}.
ونعيذ السائل أن يكون له نصيب من قول الله تعالى: يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ {النحل: 83}، وعلى أية حال فمجال الكلام هنا لا يتسع لهذا الموضوع الكبير، ولذلك فإنا نحيل السائل على المصدر المعصوم، نحيله على كتاب الله ليتعرف عليه، فإنه إذا عرفه أحبه ولا ريب، وإذا وقف السائل على معاني القرآن وأمثالها واجتهد في تدبرها وتفهمها، أخذت بيده ـولا شك ـ إلى معرفة الله، وبالتالي إلى محبته تعالى، قال ابن القيم في طريق الهجرتين: من عرف الله أحبه ولا بد، ومن أحبه انقشعت عنه سحائب الظلمات، وانكشفت عن قلبه الهموم والغموم والأحزان، وعمر قلبه بالسرور والأفراح، وأقبلت إليه وفود التهاني والبشائر من كل جانب، فإنه لا حزن مع الله أبدا؛ ولهذا قال حكاية عن نبيه أنه قال لصاحبه أبي بكر: لا تحزن إن الله معنا. فدل أنه لا حزن مع الله، وأن من كان الله معه فما له والحزن، وإنما الحزن كل الحزن لمن فاته الله فمن حصل الله له فعلى أي شيء يحزن، ومن فاته الله فبأي شيء يفرح، قال تعالى: قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا. فالفرح بفضله ورحمته تبع للفرح به سبحانه، فالمؤمن يفرح بربه أعظم من فرح كل أحد بما يفرح به من حبيب أو حياة أو مال أو نعمة أو ملك، يفرح المؤمن بربه أعظم من هذا كله، ولا ينال القلب حقيقية الحياة حتى يجد طعم هذه الفرحة والبهجة فيظهر سرورها في قلبه ونضرتها في وجهه فيصير له حال من حال أهل الجنة حيث لقاهم الله نضرة وسرورا، فلمثل هذا فليعمل العاملون، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، فهذا هو العلم الذي شمر إليه أولوا الهمم والعزائم، واستبق إليه أصحاب الخصائص والمكارم. انتهى.
وقال أيضا: الراغبون ثلاثة أقسام: راغب في الله، وراغب فيما عند الله، وراغب عن الله، فالمحب راغب فيه، والعامل راغب فيما عنده، والراضي بالدنيا من الآخرة راغب عنه. ومن كانت رغبته في الله كفاه الله كل مهم، وتولاه في جميع أموره، ودفع عنه مالا يستطيع دفعه عن نفسه. روضة المحبين.
وننبه السائل إلى أن الله تعالى مستحق للعبادة لذاته وكماله، وأما الجزاء بالجنة والنار فمن تمام ملكه وفضله وعدله، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الجواب الصحيح: معرفة الله تعالى ومحبته مقصودة لذاتها، وأن الله سبحانه محبوب مستحق للعبادة لذاته، لا إله إلا هو. انتهى...
ولك أن تراجع للمزيد من الفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 71891، 10800، 46678.
والله أعلم.