السؤال
قال الله تعالى في سورة فصلت: حَتَّى إِذَا مَا جاءوها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( 20 ) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَىْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ( 21 ) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلآ أبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرَاً مِّمَّا تَعْمَلُونَ ( 22 ) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ الْخَاسِرِينَ ( 23 ) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوَىً لَّهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِّنَ المُعْتَبِينَ ( 24 ) )، السؤال هو :
( 1 ) كيف ينطق الله تعالى السمع والبصر والجلد حين يشهدون على الإنسان يوم القيامة بما كان يعمل الإنسان في الحياة الدنيا قبل الممات ؟
( 2 ) وكيف يرد الإنسان على سمعه وبصره وجلده بعد أن يشهدوا عليه يوم القيامة ؟
( 3 ) وكيف يستتر الإنسان يوم القيامة حينما يشهد عليه سمعه وبصره وجلده ؟
( 4 ) أرجو تفسير هذه الآيات المباركات المذكورة أعلاه بالآيات القرآنية الكريمة الأخرى وبما ورد من حديث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وبما ورد من أقوال آل البيت والصحابة ( رضي الله عنهم أجمعين ) .
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذه الآيات جاءت ضمن حديث القرآن الكريم عن حال من أحوال أهل النار.
يقول تعالى: حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا أي جاؤوا النار يوم القيامة، شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ أي: بشراتهم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، تنطق جوارحهم بما كتمت ألسنهم من عملهم، وَقَالُوا يعني الذين يحشرون إلى النار لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ، تم الكلام هاهنا، وقال الله تعالى: وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وليس هذا من جواب الجلود، وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أي: تستخفون، أو تظنون، وسبب نزول هذه الآية كما روى الشيخان عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنت مستتراً بأستار الكعبة فجاء ثلاثة نفر: قرشي وختناه ثقفيان، أو ثقفي وختناه قرشيان، كثير شحم بطونهم، قليل فقه قلوبهم، فتكلموا بكلام لم أسمعه، فقال أحدهم: أترون أن الله يسمع كلامنا هنا؟ فقال الآخر: إن سمع منه شيئاً سمعه كله، قال: فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل: وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ* وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ.
ومعنى أرداكم أي: أهلككم أي طرحكم في النار فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ، ثم أخبر عن حالهم فقال: فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ مسكن لهم، وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا يسترضوا ويطلبوا العتبى والرضى فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ المرضين، والمعتب الذي قبل عتابه وأجيب إلى ما سأل.
هذا مختصر ما ذكره أهل التفسير في هذه الآيات مما يتسع له المقام.
وأما كيف تنطق جوارحهم فإن الله تعالى الذي خلقهم وأنطق ألسنتهم قادر على إنطاق جوارحهم. وأما استتارهم فكان في الدنيا بجرائمهم كما مر.
والله أعلم.