البقاء على صداقة من عصى الله بعد التزامه.
2009-10-01 11:07:52 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله بركاته.
أنا في السادسة عشرة من عمري، إلى حد ما متدين والحمد لله، لي صديق في مثل عمري، ليس قريباً جداً من الله، عاملته كأخي بل أشد، ووالله ما أحببته إلا في الله، ولكم سهرنا في طاعة الله والتناصح بيننا، ولكم بكينا في سجودنا، ولكم تعاهدنا على طاعة الله سويا، ولكنه كان يقترب من الله تارة، ويبعد عنه تارة، إلى أن جاء اليوم الذي لا ينسى.
فوجئت به يكلمني ويقول لي أريد أن أطلعك على سر! فقال: لقد زنيت من ثلاثة أو أربعة شهور، وأنا نادم أشد الندم، وأريد أن أتوب وأن أسلك طريق التدين.
بالله عليكم أفيضوا علي بالجواب، فمن يومها وأنا كالحائر المجنون، لا أصدق أبداً ما قاله، فلكم دمعت عيناه أمامي خوفاً من الله، فكرت أن أتركه للأبد، رغم أني ما أحببت في حياتي كلها أحداً مثله.
وكان عذري أنه ظل أربعة شهور بلا توبة، وأني ما تخيلت أبداً أن يصل به الأمر إلى الزنا، وأظنه كان لا يصلي في تلك الفترة.
ولكن يعود قلبي ليؤنبني، فكيف أرده وقد نوى بأن يتوب (والله أعلم بصدق نيته).
بصدق ما بكيت في حياتي كلها مثلما بكيت عندما أخبرني، وما حزنت في عمري كله مثلما حزنت يومها.
أرجوكم أجيبوني .
أأتخلى عنه؟ أم أحافظ على علاقتنا ولكن ليست بنفس القوة كما كانت؟ أم ألزمه في سكناته وحركاته عساه بتوبته يسبقني؟
(ووالله أسأل الله في كل سجود، كل سجود أن يغفر له ويسبقني).
سؤال أخير يحرق قلبي:
يشهد الله كم دعوت الله بأن يجمعنا في الجنة سويا في درجة واحدة، والله كنت أدعو تلكم الدعوة بدموع من صميم قلبي، ولكن!!
هل يمكن للزاني أن يصير متديناً في يومٍ من الأيام؟ وأعتذر عن الإطالة.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مهموم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في استشارات موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يثبتك على الحق، وأن يزيدك توفيقاً وهدى وصلاحاً واستقامة، وأن يوفقك لإعانة أخيك هذا على التوبة النصوح والعودة إلى الله تبارك وتعالى والاستقامة على شرعه.
وبخصوص ما ورد برسالتك – أخي الكريم الفاضل – أقول: إن هذا الأخ رغم ما وقع فيه من معاصي فإن فيه خيراً، والدليل على ذلك أنه كان من الممكن أن يُخفي عنك هذا الأمر؛ لأنه يعلم أنه قد يفقدك بسبب هذه المعصية، ويعلم أنك قد تتخلى عنه، ولكن لأن فيه خيراً ولأنه واثق من حسن خلقك ومن محبتك له وصدقك معه أخبرك بهذا الخبر الغير طبيعي قطعاً، وما أخبرك بهذا الخبر إلا أنه أراد مساعدتك له في أن يعود إلى ما كان عليه.
ومن الممكن إن شاء الله تعالى أن تجتهد معه في أن تحوّل هذه المعصية إلى طاعة كبرى، وأن يخرج منها وفي صورة أفضل وحالة أحسن، وأن يكون وضعه أفضل من ذي قبل.
لذا أنصح -بارك الله فيك- بألا تقاطعه، بل تجتهد في أن تعينه فعلاً على التوبة النصوح، وأن تتابعه، وأن تنظر إلى الخلل الموجود في شخصيته، بمعنى أنه إذا أبتعد عنك طويلاً فقد يضعف، فاحرص أن يكون بينكما التواصل شبه يومي، وأن تكون بينكما لقاءات قدر الاستطاعة وتقترب منه ولا تبتعد عنه، وأن تتفقد أحواله، وأن تذكره دائماً بالخوف من الله تعالى، وأن الله غني عنه وعن العالمين.
وأن العبد إذا وقع في المعصية قد يسقط من عين الله تعالى فلا يعبأ الله به بعد ذلك، ولا يقيم له ولا لعبادته وزناً، وإنما يجب عليه أن يحافظ على نفسه حتى ينجو من عذاب الله تعالى، وأنه بهذه المعصية قد فقد منزلة كان من الممكن أن يصل إليها إذا حافظ على عفافه وطُهره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله -ومن هؤلا- شاب نشأ في طاعة الله)، وكذلك من هؤلاء (ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله)، فقل له: إنك فقدت بتلك المعصية منزلة عظيمة رائعة، فاجتهد ألا تفقد غيرها؛ لأن الله غني عن العالمين، وأنت بذلك الذي خسرت، والله تبارك وتعالى لم يخسر دينه شيئاً؛ لأن دين الله تبارك وتعالى قوي.
والله تبارك وتعالى ليس في حاجة لعبادة العابدين أو إلى عفة أهل العفة والحياء، ولكن إذا استقاموا فإنما استقاموا لأنفسهم، كما قال تعالى: ((مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا))[فصلت:46]، وكما قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ))[فاطر:15].
إذن: ذكره بأنه قد فقد منزلة كبيرة بهذه المعصية، وينبغي عليه ألا يكررها حتى لا يفقد شيئاً أكثر من ذلك، وأنك ستقف معه بإذن الله تعالى ولن تتخلى عنه، حتى يعود إن شاء الله إلى أفضل مما كان عليه.
وأنت كما ذكرت لك تحاول أن تفرغ له من وقتك بصورة أفضل، وأن تتواصل معه بصورة أكبر، حتى تعينه على طاعة الله تعالى، وحتى يمنّ الله تبارك وتعالى عليك بأن يجعله في ميزان حسناتك؛ لأن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يعطيه القبول ببركة إخلاصك له، فاجتهد له في الدعاء، واعلم أن الله تبارك وتعالى قال: ((قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ))[الزمر:53].
وهذا العبد الزاني من الممكن أن يصير من عباد الله الصالحين الكبار، بل ومن أوليائه المقربين؛ لأن التوبة النصوح تجب ما قبلها، يعني هذا لا تستبعده، هذا فقط متوقف على صدق توبته وعلى صدق إنابته وعودته إلى الله تبارك وتعالى، فقل له: (أنت بهذه المعصية فقدت أشياء عظيمة جدّاً، كنت ستظل في ظل العرش إذا لم تقع في هذه المعصية، كنت ستكون حبيباً ومحظيّاً من الله تعالى إذا لم تقع في هذه المعصية، فاجتهد ألا تقع فيها مرة أخرى).
وقل له: (إذا شعرت بنوع من الضعف فاتصل بي فوراً وأنا أتكلم معك حتى لا يستحوذ عليك الشيطان)، ودائماً فاجئه باتصالاتك معه المستمرة سواء كان ليلاً أو نهاراً في أي وقت، حتى تخرجه من ضعفه وحتى تخرجه من تسلط الشيطان عليه، لاحتمال أن البيئة التي يعيش فيها في أسرته ليست بيئة معينة على الطاعة، أو البيئة المحيطة به من الشباب ليست بيئة أيضاً نقية.
ولذلك هو يأوي إليك ويأنس بك ويسعد بك، لأنك تختلف عن كل هذه الصداقات التي يعرفها أو كل هذه الأخوة التي يقيمها.
فقف معه وأيده وادع له بارك الله فيك بظهر الغيب أن يقبل الله توبته وأن يغفر له، وأن يرزقه الحياء والعفاف والفضيلة، واعلم أن ذلك كله لن يضيع لك أجره عند الله، وأنه على قدر إخلاصك في مساعدته وصدقك في إعانته سيكون أجرك عند الله تعالى كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)، والله تبارك وتعالى قال: (( إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ))[النساء:40]، فاجتهد في مساعدته ولا تتخلى عنه، وقف معه، ولكن فقط أشعره بخطر ما فعل من المعاصي، حتى يحرص بعد ذلك ألا يقع فيه مرة أخرى، وحاول بارك الله فيك أن تتواجد معه بصورة أفضل مما كانت بينكما، وحاول أن تتفقده خاصة نقاط الضعف التي عنده، حاول أن تعينه على التخلص منها، نسأل الله أن يجعلك وإياه وأن يجعلني معكما من عباده الصالحين، ومن أوليائه المقربين، وممن يظلون بظله يوم لا ظل إلا ظله، أنا وأنتما وسائر إخواني بالموقع بل وسائر المسلمين.
هذا وبالله التوفيق.