الوسواس القهري المتعلق بالنظافة وتأثيراته على المريض ومن حوله
2008-11-12 12:40:21 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
يبلغ أخو زوجتي من العمر ثلاثة عشر عاماً، وهو يعاني من اضطرابات نفسية ووساوس تتعلق بالنظافة الزائدة، حيث يُرغم أمه على تنظيف البيت كله، وفي بعض الأحيان يخيل إليه أنه النظيف الوحيد في وسطه العائلي، وتارة أخرى لا يلمس أحداً.
وقد انفصل مؤخراً عن الدراسة، وغيَّر المدينة التي يسكن بها أبواه إلى مدينة أخرى ليقيم عندنا، لكن سرعان ما انقطع عن الدراسة مرة أخرى، ولكني لا ألاحظ عليه شيئاً مما يقول أبواه، فالعناد هو الطاغي عليه، وعندما طلبت منه العودة إلى أبويه ما دام لا يدرس طلب من أخته أن نمهله بعض الوقت حتى ينهي بعض الأمور التي لا يريد أن يفصح عنها.
علماً بأنه قد زار طبيباً نفسياً وامتنع عن أخذ الدواء، وتمت رقيته بالقرآن الكريم مرات عديدة، وذكاؤه يجعل الشك في مرضه الذي دام السنة وزيادة، ولا رغبة له في العودة إلى بيته، وله أخت أصغر منه سناً وأخ أكبر وثلاث أخوات متزوجات، وأبوه معلم وأمه ربة بيت، ولدي طفلان، فهل عليهما تأثير مما يرون من خالهم هذا؟!
وجزاكم الله كل خير.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ م يونس حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمن الواضح أن هذا الطفل يعاني من درجة متوسطة إلى شديدة من الوساوس القهرية، وهذا النوع من الوساوس القهرية من الأنواع المنتشرة، ويعرف أن الوساوس إما أن تكون خاطرة أو فكرة قد يتبعها فعل أو عمل أو نوع من الطقوس، ويكون الإنسان مجبراً لاتباعها، وإذا لم يقم بأدائها يحس بالقلق بالرغم من إيمانه بسخفها.
ومن الواضح أن لديه مخاوف من الأوساخ والقاذورات، وهذا أدى إلى أنه يسعى إلى أن يعيش حياة معقمة، وحياة بعيدة عن الأوساخ، ويريد أن يعيش حياة نظيفة بصورة كاملة، ولا شك أن هذا يسبب له إزعاجاً ويسبب له مضايقة، وكذلك لبقية الناس الذين حوله.
وأرى أن انقطاعه عن الدراسة أسبابه الوساوس؛ لأن الوساوس في الأصل هي قلق شديد، وهذا القلق يكون داخلياً، وربما يتولد عنه أيضاً نوع من الوساوس الثانوي، وهذا يؤدي إلى ضعف شديد في فعالية الإنسان، كما أن تجنبه للذهاب مرة أخرى إلى بيت والديه وإظهاره للعناد بصفة عامة هو أيضاً نوع من التجنب والابتعاد؛ لأنه ربما يكون والداه أكثر شدة عليه فيما يخص التوقف من هذه الوساوس.
ومن الواجب علينا وعليكم أن نسعى لمساعدته، ومن ذلك أن نعرف أولاً أن هذه الوساوس تكثير كثيراً في مثل هذا العمر لدى اليافعين وعند وقبل مرحلة البلوغ، ولا شك أن الوساوس قد تأتي في موجات وفي نوبات يتحسن الإنسان ثم ترجع له بعد ذلك، ولكن الآن توجد مناهج علاجية سلوكية ممتازة وكذلك علاجات دوائية.
والنقطة الأولى في العلاج هو أن يُشرح لهذا الابن بلغة لطيفة ومبسطة أن الذي يعاني منه هو مجرد نوع من القلق يسمى بالوساوس القهري، وهذا لا يعني أن إيمانه ضعيف أو أن شخصيته مختلة، وهذه الحالات يمكن أن تعالج، وحتى يعيش حياة طيبة وسعيدة ويكون مزاجه طيباً يجب أن يُعالج.
وأعتقد أن الشرح الطيب والشرح الدقيق وإذا كان أي من أفراد الأسرة أو طبيب استطاع أن يبني معه علاقة تقوم على الاحترام وعلى الاعتبار وعلى التواصل سوف يقبل العلاج، وبالنسبة للعلاج السلوكي فالمبدأ الأول هو أن نشرح الحالة، والمبدأ الثاني هو أن يقاوم أقواله أو أفعاله أو الطقوس الوسواسية التي يمارسها.
ومن التمارين الجيدة والبسيطة هو أن يُساعد هذا الابن بأن تقوم وأن تضع أوساخ على يديك أنت، ثم تضع على يديه أيضاً في نفس الوقت، بمعنى أن تجعله يلاحظك ذلك فهذا يقلل كثيراً من خوفه، ويجب أن يعرف أن هذه جلسة علاجية، توضع هذه الأوساخ على اليدين وأنت تكون في هذه الحالة كقدوة علاجية له، ولابد أن تظل الأوساخ في راحة اليدين لمدة لا تقل عن خمس دقائق، ثم بعد ذلك تزال هذه الأوساخ بالنسبة لك وله، وبعد عشر دقائق تقوم بإحضار ماء في كوبين وتقوم أنت بغسل يديك من كوب واحد، ويقوم هو أيضاً بغسل يديه من الكوب الثاني بنفس الطريقة، يجب أن لا يُنصح مطلقاً أن يستعمل ماء الصنبور، ويجب أن تكون كمية الماء محددة وبسيطة ويعرف هو ذلك مسبقاً.
فهذه من الطرق الجيدة والممتازة والتي إذا طبقت بمعدل مرتين أو ثلاثة في اليوم معظم الناس تتحسن حالتهم جدّاً بعد مضي أسبوعين، وهناك طرق أخرى مصاحبة كلها تكون على هذا السياق.
يأتي بعد ذلك العلاج الدوائي، والعلاج الدوائي مفيد وبسيط، ورفض هذا الابن للدواء في اعتقادي ناتج من أنه لا يعتقد أنه مريض؛ لأنه لم توضح له حالته بدقة، ونحن لا نقول أنه مريض، وإنما نقول له أن هذه وساوس وهذا نوع من القلق وهو ليس مرضاً عقلياً وليس مرضاً ذهانيا، وإن شاء الله تشفى تماماً.
والأدوية تساعد لأنها تتحكم في إفراز مادة في الدماغ تعرف باسم (سيروتونين Serotonin)، وهذه المادة يعتقد أنها هي المادة التي تؤدي اضطراب إفرازها أو الخلل في إفرازها أو النقص في إفرازها تؤدي بالإصابة بالوساوس القهرية.
وهناك أدوية كثيرة من أفضلها في هذا العمر هو العقار الذي يعرف تجارياً باسم (فافرين Faverin) ويعرف علمياً باسم (فلوفكسمين Fluvoxamine)، فأرجو أن يبدأ هذا الابن في تناوله بجرعة خمسين مليجراماً ليلاً لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك ترفع إلى مائة مليجرام ليلاً، ولابد أن يستمر عليها لمدة ستة أشهر متواصلة، وبعد ذلك تخفض الجرعة إلى خمسين مليجراماً ليلاً لمدة ستة أشهر أخرى.
هذا الدواء من الأدوية السليمة والأدوية البسيطة والأدوية الفعالة، وأنا على ثقة كاملة أن الدواء مع تطبيق العلاج السلوكي سوف ينتج عنه بإذن الله تعالى تحسن كبير في حالة ومزاج هذا الطفل، وأعتقد في هذه المرحلة لا تناقشوا معه أمر الدراسة، قولوا له أن العلاج إن شاء الله تعالى سوف يساعده في تحسين رغبته نحو الدراسة.
وهناك أمر آخر وهو أن نشجعه وأن نحفزه وأن نشعره أنه مرغوب فيه وأنه عضو فعال في الأسرة وهكذا، فهذه أمور ضرورية؛ لأن الاستبصار زائد المساندة تجعل الإنسان يشعر بقيمة ذاته ويشعر أن الآخرين يقدرونه، وهذا يجعله متعاوناً في تلقي العلاج وكذلك يشعر بالرضا والراحة النفسية، وأعتقد أن هذا الابن حين تبدأ حالته في التحسن لا أعتقد أنه سوف يرفض الرجوع إلى بيت والده.
وأما بالنسبة لأطفالك فإن شاء الله لن يحدث أي تأثير سلبي، وهناك الكثير دار حول هذا الموضوع، فهناك من يتحدث أنه ربما تكون هناك عوامل وراثية تسبب الوساوس، وهناك من يرى أنه سلوك متعلم ومكتسب، وإن شاء الله لن يتأثر أطفالك، وإذا حاول أحد الأطفال أن يقلده فلابد أن نمنع الطفل من ذلك، ويكون هذا أيضاً بلغة لطيفة ومعقولة مع التشجيع والتحفيز، نسأل الله له الشفاء والعافية، والتوفيق والسداد.
وبالله التوفيق.