إذا فعل شيئاً ينتابه شعور بأنه قد فعله من قبل.. المشكلة والحل
2008-08-31 13:14:24 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
يتكرر معي قليلاً أمر وهو أنني عندما أفعل شيئاً أشعر بأنني قد مررت بهذا الموقف قبل ذلك، وفعلت هذا الأمر قبل ذلك بدون أن أكون قد فعلته حقيقة، تصورٌ فقط.
أفيدوني إن أمكن، وشكراً جزيلا.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله - تبارك وتعالى - أن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يجعلك من الدعاة إليه على بصيرة بقولك وفعلك وسلوكك، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك - أخي الكريم الفاضل – من أنه يتكرر معك أمرٌ، وهو أنك عندما تفعل شيئاً تتصور أو تشعر أنك قد فعلته من قبل، أو عندما يمر بك موقف من المواقف أيضاً تتذكر أنك قد فعلته، وفي الحقيقة أنك لم تفعل ذلك، فما تأويل ذلك أو تفسيره؟
في الواقع - أخي الكريم الفاضل – هذه التصرفات التي تحدث منك وتشعر بأنها قد مرت بك سابقاً مردها إلى أمرين: إما أنك فعلتها فعلاً في قديم الزمن وسُجلت في عقلك الباطن، وأصبحت في داخل عالم الذكريات بالنسبة لك، فعندما تفعل فعلاً شبيهاً أو قريباً أو هو نفس الفعل فإن ذاكرتك تعيد إليك هذه الصورة مرة أخرى؛ لأنه مما ذكره العلماء - أخي الكريم الفاضل – أن أي منظر أو أي مشهد أو أي موقف أو أي كلام أو أي شيء نراه في حياتنا منذ أن بدأ الإنسان ينظر ويسمع فإنه يُسجل في ذاكرته ويظل موجوداً في ذاكرة الإنسان إلى أن يصاب بنوع من العته أو نوع من القصور الذهني أو إلى أن يموت.
هذه الذاكرة العجيبة الغريبة التي زود الله بها الإنسان تحتفظ بكل شيء يمر أمامه، فإذا ما كان هناك موقف مماثل أو مشابه أو قريب فإن ذاكرته تدفع بهذه الصورة إلى الأمام.
أيضاً لا يلزم أن تكون أنت الذي فعلت هذا الفعل، وإنما قد تكون عشته في غيرك، فقد تكون رأيته وهو يقع أمامك من شخص أو أشخاص آخرين في مكان بعيد أو قريب؛ ولذلك ما أن تقع في هذا الفعل أو تعيشه فإنه يتم تزويدك بصورة من عقلك الباطن – أي من ذاكرتك – التي أكرمك الله بها فتبدو على سطح ذاكرتك ظاهرة واضحة، وهذا أمر طبيعي، خاصة إذا كان الإنسان لديه بعض الصفاء وبعض الشفافية فإنه يرى الأمور بوضوح، بل إن بعض الناس قد يتصور فعل الأشياء قبل أن تقع، فإن هذا أمر أبلغ وأعظم وأشد مما أنت فيه، فمثلاً يتوقع الإنسان حدوث شيء فيحدث كما توقع، وهذا أمر أيضاً نوع من الصفاء ونوع من الشفافية ونوع من المنح الربانية، وهذا ما قاله العلماء أن هذا عبد ينظر بنور الله تعالى، فهو يتوقع أشياء فتحدث كما توقع، وتحدث كما يتوقع أو قريباً مما توقع.
فهذا الذي ذكرته - بارك الله فيك - أمر طبيعي جدّاً، وأتمنى ألا تقف أمامه طويلاً؛ لأنه كما ذكرت: إما أنه قد حدث فعلاً في فترة من الزمن أنت لا تذكرها، خاصة كما ذكر العلماء، كما قال الشاعر:
وما سمي الإنسان إنساناً إلا لنسيانه
وأنا أقول وأجزم بأني أنا وأنت وكل الناس جميعاً يستحيل أن يذكروا أو أن يتذكروا كل ما حدث لهم منذ أن كانوا في عالم الطفولة إلى الآن، وإنما أنت تتذكر فقط المواقف العامة، هذه المواقف الكبيرة أو المهمة هي التي تذكرها أنت وأذكرها أنا؛ لأن هناك ملايين المواقف اليومية التي حدثت لي ولك ولسائر الناس ولكنهم لا يتذكرونها، متى يتذكرون؟ إذا حدث موقف مشابه أو موقف مماثل فإن ذاكرتك تدفع لك بصورة مطابقة لما تراه كأن هذا الأمر قد حدث من فترة قليلة، وهذا من قدرة الله - تبارك وتعالى - ومن بديع صنع الله - عز وجل - أن الإنسان عبارة عن ذاكرة قوية جدّاً واسعة لا حد لها ولا نهاية تحتفظ بكل ما يحدث وكل ما يقع وكل ما يقال وكل ما يشاهد يظل في هذه الذاكرة، وهذه الذاكرة هي التي بها سنُسأل أيضاً يوم القيامة؛ لأن الله تبارك وتعالى سيخرج هذا الأمر أمامك لتتذكر ما حدث منذ نعومة أظفارك.
فأقول هذا أمر طبيعي، وأرجو ألا تقف أمامه طويلاً، وألا تشغل بالك به، وإنما الذي أود فقط محافظتك - بارك الله فيك – على أذكار الصباح وأذكار المساء وعلى أذكار النوم خاصة، وأن تجتهد أن تكون على طهارة، وأن تكثر من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وأن تكثر من ذكر الله تبارك وتعالى وأن تجتهد في حفظ شيء من القرآن الكريم ولو بمعدل آية واحدة أو آيتين أو ثلاث آيات يومياً لعل الله تبارك وتعالى أن ينفعك بذلك فيربط على قلبك رباطاً يجعل من الصعب على الجن ومردته أن ينالوا منك لا في اليقظة ولا في النوم.
ولا مانع - بارك الله فيك - أن تقوم بعمل رقية شرعية بأن ترقي نفسك أو أن يقوم غيرك من الصالحين برقيتك، لعل وعسى أن يكون هذا الأمر له علاقة بشيء آخر، وإن كنت أستبعد ذلك؛ لأني أرى أن هذا شيء طبيعي جدّاً؛ لأنه يحدث لي ويحدث لك ويحدث لمعظم الناس، ولكنك بما أنك لم تسأل الناس عن هذا الأمر أو أنك سألت أُناسا لا ينتبهون لهذه المسألة فقطعاً لم يجيبوك بما تريد، والرقية نافعة في كل الأحوال، وهي إن لم تنفع فلن تضر.
أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يجعلك من عباد الله الصالحين، وأن يثبتك على الحق، وأن يوفقك إلى كل خير، وأن يجعلك من الدعاة في هذه البلاد إلى الله تبارك وتعالى بالسلوك الإسلامي الملتزم، وأن يجعلك سبباً في هداية من معك ومن حولك.
هذا وبالله التوفيق.