ابنتي عنيفة مع أخيها الأصغر.
2009-04-25 13:40:55 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لدي طفلة في السادسة والنصف من العمر، ألاحظ أنها عنيدة وعنيفة مع أخيها الأصغر، مع العلم أن هذا الوضع بعد دخولها المدرسة، وأصبحت تسرب البول في ملابسها الداخلية عدة مرات في اليوم، كما أن مستواها الدراسي في النصف الأول كان ممتازا، ولاحظت انخفاضه في النصف الثاني، ومعلمتها نوهت لي بذلك، بدأت بالتركيز عليها فأخبرتني معلمتها بتحسنها، وهي تتحجج بي عند تأنيبها من المعلمة بأني لا أجلس معها لأذاكر لها.
مع العلم أني أطلب منها الجلوس لأذاكر لها فتتهرب، وكلما طلبت منها شيئاً ترفض قائلة: اعملي أنت، والطفلة ذكاؤها مرتفع، وأشعر كأنها أكبر من عمرها، تحاول تقليد من هم أكبر منها، وفي المدرسة بالإضافة إلى أقرانها عمريا من الأصدقاء إلا أنها مصادقة طالبات في الصف السادس، ما يقلقني هو أنها عند زعلها تنفرد بنفسها وتبدأْ بالبكاء والتأوه من صدرها ورأسها، وإن عرضت عليها شيئاً للتخفيف من حزنها ترفض وتقول: لا أريد شيئاً، اتركوني لحالي أرجوكم! أفيدوني فهي البنت الوحيدة لديّ من الإناث، أمرها يبكيني ويقلقني للغاية، وأعتذر للإطالة عليكم.
ولكم جزيل الشكر.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فبارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، ونسأل الله تعالى أن يحفظ ذريتك وأن يجعلها قرة عين لك وأن يجعلهم جميعاً من الناجحين.
فإن هذه الابنة – حفظها الله – لا شك أنها تعبر عن احتجاجها، فهي كما ذكرت - بفضل الله - لبقة وذكية، ومقدراتها المعرفية مرتفعة جدّاً – نسأل الله لها التوفيق – ولكنها بما أنها البنت الوحيدة في البيت، ويعرف أن بداية دخول المدرسة هو فترة تحويلية وتغيرية كبيرة جدّاً بالنسبة لمعظم الأطفال، وهنالك عدة عوامل تضافر مع بعضها البعض تؤدي إلى ما يمكن أن نسميه بقلق الفراق، فهنالك عوامل تتعلق بالطفل نفسه، وعوامل تتعلق بالبيت، وعوامل تتعلق بالمدرسة.
ابنتك – حفظها الله – ما دامت هي البنت الوحيدة فلا شك أنها قد عُوملت بطريقة خاصة، وهذا ليس انتقاصاً أو انتقاداً للمسلك التربوي الذي تنتهجونه، ولكنه أمر طبيعي يحدث في كثير من البيوت، حيث إن المعاملة الخاصة توفر لهؤلاء الأطفال بصورة لا شعورية في معظم الأحيان، ولا شك أنها قد استمرأت هذا الوضع وأحست فيه بالارتياح؛ لذا وجدت أن فراق أمان البيت وفراق الأم يصعب عليها؛ ولذا يُعبر عن ذلك بما نسميه بالنكوص، وهو كما تفضلت تسرب البول في ملابسها، أي هذا تعبير أنها رجعت أو نكصت إلى مرحلة طفولية ارتقائية أقل من عمرها.
كما أن عنادها مع أخيها الأصغر هو نوع من الاحتجاج والتعبير عن الغضب والتعبير عن الغيرة وليس أكثر من ذلك، هي تخيرت الأخ الأصغر لأنه لا شك يستمتع بالجلوس في البيت وفي أحضانك، وهي كانت تتمنى أن تكون في مثل هذا الوضع، هذا أمر مفهوم جدّاً بالنسبة لنا من الناحية النفسية.
الأمر الآخر والذي قد يكون مهماً أنه من جانبك أيضاً ربما تكوني بصورة لا شعورية قد عبرت عن انزعاجك لهذه المدرسة، ليس استشعاراً منك عدم قيمة التعليم ولكن خوفاً وشفقة عليها، بعض علماء النفس يسمون هذه العلاقة بالعلاقة العصبية أو العصابية التي تحدث بين الأم وابنتها، أي أن الإشباع النفسي والوجداني للأم يتم أيضاً بوجود البنت الوحيدة حولها.
وربما تكون هنالك عوامل أخرى داخل المدرسة، فالمدارس مهما كانت جيدة فتوجد بعض المنفرات، ومن باب الدعابة: قيل أن طالباً كان يدعو في طابور المدرسة في الصباح: (اللهم احفظنا ونجحنا واهدي المدارس جميعاً)، فعدم رغبة الطلاب في المدارس هي ظاهرة موجودة في بعض الأحيان.
أرجو ألا تنزعجي للأمر، أنا أريدك أن تتفهمي الأسباب والأمر يتطلب منك التعامل معه بتجاهل، فأولاً يجب أن تتجاهلي كل التصرفات السالبة من ابنتك، ويجب أن تسعي إلى تشجيعها وترغيبها وذلك بتحفيزها ومكافأتها.
وعليك أن تلجئي لطريقة النجوم – وهي طريقة نفسية سلوكية ناجحة جدّاً إذا طُبقت على الأطر والأسس الصحيحة – اتفقي مع ابنتك أن كل عمل إيجابي تقوم به مثل الذهاب إلى المدرسة والاجتهاد في الدراسة وعدم مواجهة أخيها ببغض وعناد، وهكذا، حين تقوم بأي تصرفات إيجابية سوف تُعطى لها ثلاث نجوم، وضعي النجوم على اللوحة المثبتة على الحائط فوق سريرها، ويكون أيضاً جزء من الاتفاق أن أي تصرف سالب من جانبها سوف يقابل بنوع من العقوبة وتتمثل في أنها سوف تفقد نجمتين. يجب أن تتفقي معها على أن المكافأة سوف تكون على حسب عدد النجوم التي تكسبها في نهاية الأسبوع، ويمكن إعطاؤها هدية بسيطة حسب العدد الذي سوف تكسبه من النجوم كما ذكرنا.. هذه طريقة جيدة وفعالة، فقط تتطلب الصبر والتطبيق الملتزم.
ثانياً: من الضروري جدّاً أن تتركي بعض المسافات بينك وبين ابنتك، لا تجعليها تستمرأ وتستفيد من وضعها الخاص، خاصة أنها البنت الوحيدة، لا أقول لك كوني منفرة، ولكن لابد أن يكون هنالك شيء من الحزم، وفي نفس الوقت عليك بإشعارها بمحبتك لها وأنك تستشيرينها، واجعليها تشارك في بعض الأعمال المنزلية وكذلك العناية بأخيها الأصغر.
هذا كله يزيد من مهاراتها ويعيد لها اعتبارها وتشعر بكينونتها – إذا جاز التعبير -.
يجب أن يعاملها والدها أيضاً بنفس الطريقة، بمعنى آخر: يجب أن يلتزم أيضاً والدها سبيل الترغيب وسبيل الترهيب أو التوبيخ – كما نقول – في خصوص الأعمال الإيجابية والتصرفات السلبية، هذا التوازن النفسي والسيكولوجي لابد أن يحافظ عليه.
أرجو أيضاً أن تتيحي لها فرصة اللعب مع قريناتها وصديقاتها من الطالبات، ولا شك أن صداقتها للبنات أكبر من عمرها أمر غير مرغوب فيه، ويجب أن تنبه بصورة لطيفة وواضحة وسهلة أنها يجب أن تصادق من هم في عمرها.
هذه هي الأطر وهذه هي الأسس، وهذا هو التفسير لما يحدث لابنتك، ونعرف أن هؤلاء الأطفال هم دائماً أذكياء ويأتون من أسر طيبة ومستقرة، ولكن يوجد هذا الجانب الوجداني والجانب العاطفي هو الذي يؤدي إلى هذا الخلل.
أرجو أن تشرحي لمعلمتها ما ذكرناه لك في هذه الرسالة، وحتى تقوم المعلمة أيضاً بدور التشجيع في المواقف التي تتطلب التشجيع والترغيب مهما كانت هذه المواقف بسيطة، وفي ذات الوقت يجب أن يتم تجاهل بعض تصرفاتها وأن توبخ بصورة بسيطة في المواقف السالبة.
في بعض الأحيان نقوم بإعطاء أدوية بسيطة لهؤلاء الأطفال، والدواء يمكن تناوله لأي طفل بلغ السادسة من العمر أو أكثر، وهذه البنية – حفظها الله – عمرها الآن ست سنوات ونصف. الدواء يعرف تجارياً باسم (تفرانيل Tofranil) ويعرف علمياً باسم (امبرمين Imipramine)، والجرعة المناسبة في حالة ابنتك هي جرعة صغيرة جدّاً، وهي فقط عشرة مليجرام ليلاً، ننصح بأن يتناولها الطفل من ثلاثة إلى ستة أشهر. الدواء في الأصل هو مزيل للقلق والتوتر ويحسن من مزاج الطفل، كما أنه يؤدي إلى التحكم في البول.
عموماً ابدئي بتطبيق الوسائل السلوكية التي ذكرناها لك، والتي نحسب - إن شاء الله تعالى – أنها سوف تبدل سلوك الطفلة إلى سلوك إيجابي؛ لأنه - بفضل الله تعالى - هذه الابنة تتمتع بقدر عالٍ من الذكاء، وهؤلاء الأطفال يُعرف أن استجابتهم لتعديل السلوك ممتازة وجيدة جدّاً إذا طُبقت من قبل الوالدين أو المعالجين على الأسس والأطر والنظم الصحيحة.
وبالنسبة للدواء يمكن أن يُؤجل قليلاً إذا لم تتحسن خلال شهر، يمكنك أن تعطيها الدواء أيضاً مع مواصلة الاسترشاد السلوكي.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، وأسأل الله لها العافية والحفظ.
والتوفيق والسداد.