إرشادات لكيفية التعامل مع اطلاع بعض العائلة على تعاطي علاج الرهاب.
2009-02-02 13:04:32 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا طالب في كلية الصيدلة من السودان، كنت أعاني من الرهاب الاجتماعي الذي أعاقني كثيراً في حياتي وفي أمور كثيرة لا يسع المجال لذكرها، ومن خلال اطلاعي على كثير من الاستشارات التي أجاب عنها د. محمد عبد العليم تعلمت كثيراً من طرق العلاج السلوكي، وتناولت - ولا أزال - عقار الزولفت تحت اسم تجاري هندي بجرعة (50 ملغم) لمدة شهر، ثم رفعتها لـ (100 ملغم) لفترة ثم خفضتها لـ (50 ملغم) وما زلت مستمراً على هذه الجرعة، وبحمد الله لقد تحسنت بشكل ملموس وبدأت أعراض الرهاب في الاختفاء، وتحسن تفاعلي مع الحياة.
المهم أني لم أخبر أحداً من أهلي أو من أعرفهم بأمر تناولي للدواء خشية التفسير الخاطئ؛ حيث إن فكرة الناس هنا عن الأدوية النفسية غير جميلة، وأن من يتناولها لابد أن يكون مجنوناً أو مدمناً أو (راسو ما كُوَيِّس) بالبلدي، وتشيع هذه الفكرة حتى في بعض الأوساط الطبية وفي وسطنا الصيدلاني.
رغم حرصي على إخفاء أمر الدواء فقد تم كشفه من أحد أفراد عائلتي، وأخشى إن أشيع الأمر أن تتغير نظرة المحيطين بي بشكل يجرحني وينفر الجميع مني ويظن بأني مدمن أو أن عقلي به علة.
أرجو من الدكتور محمد عبد العليم الأخذ بيدي في هذه المعضلة وإرشادي إلى التصرف السليم.
وجزاكم الله كل خير.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فبارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، ونرحب بك في (استشارات إسلام ويب).
ونحمد الله كثيراً أن أنعم عليك بنعمة الصحة والعافية، وأنت الآن تسير من تحسن إلى تحسن، وهذه نعمة كبيرة.
أما فيما يخص تخوفك من أن أحد أقربائك قد اكتشف أنك تتناول الدواء وهذا سبب لك بعض القلق والتوتر خوفاً من مفاهيم الناس الخاطئة.
أولاً: الشيء المهم أنك قد تحسنت.
ثانياً: أتفق معك أن الناس كثيراً ما تخطئ التأويل وتخطئ التفسير، وهنالك نوع من حب الاستطلاع لدى الناس خاصة الأسر حين تكتشف أن أحد أفرادها يتناول دواء، وإذا كان الدواء ذا طبيعة نفسية فهذا قد يؤدي إلى تفسيرات خاطئة أكثر، وهذه العملية هي جزء مما يمكن أن نسميه بالوصمة الاجتماعية والتفسيرات الخاطئة وسوء الفهم المحيط بالطب النفسي.
أنا أعرف أن مفاهيم الناس الآن بدأت تتغير نسبياً، وهنالك تحسن كبير في تقبل الناس للطب النفسي، هذا التحسن بالرغم من أنه أمر إيجابي ولكن بكل أسف لم يصل للمرحلة التي نبتغيها.
بالنسبة لحالتك فالأمر بسيط جدّاً، والذي أود أن أقوله لك: إن ما اكتشفه أحد أفراد أسرتك ليس بالأمر الجلل وليس بالأمر الذي يجعلك تقلق وتتوتر، وأنا لا أريدك أن تضع نفسك في هذا الموضع حتى لا يؤثر ذلك بصورة سلبية على تحسنك وعلى صحتك النفسية، حيث إنه لديك بعض القابلية للقلق والتوتر، فيجب ألا تفكر أن هذه كارثة أو أنها مصيبة، هذا أمر بسيط، والذي أراه وأنصح به هو: إذا سألك هذا الفرد في الأسرة فيمكن أن تشرح له بصورة مبسطة وسهلة وواضحة أنك كنت تعاني من بعض القلق النفسي، وظهر هذا القلق في شكل توتر داخلي وعدم قدرة على التركيز الجيد في الدراسة مع ظهور بعض المخاوف التي ليس لها أي سبب، وقد اتصلت بأحد الأطباء وقال لك: إنها حالة بسيطة – وهي فعلاً بسيطة – وهذه تسمى بالحالات العصابية، وهذه الحالات العصابية لا علاقة لها مطلقاً بالأمراض العقلية أو الأمراض الذهانية، وليس من الضروري أن يكون هنالك أي سبب لحالة القلق هذه.
أعتقد أنك مكلف بأن تقدم هذا الشرح لمن يريد أن يعرف، وتوضح بعد ذلك أن هذا الدواء قد وصف لك، وهو دواء ليس بالإدماني وليس بالتعودي ولا علاقة له أبداً بالأدوية مثل الفاليم (Valuim) أو الأتيفان (Ativan)، إنما هو ينتمي لمجموعة من الأدوية تنظم مادة خاصة في المخ، تسمى هذه المادة باسم (سيروتونين Serotonin)، وهذه المجموعة من الأدوية معروف تماماً أنها تساعد في تنظيم إفراز هذه المادة مما يؤدي إلى زوال القلق والتوتر.
بذلك أنت تكون قد شرحت لهذا الفرد في عائلتك بصورة علمية ومبسطة وواضحة، وهذا بالطبع من المفترض أن يزيد من فهمه وقناعاته بأن هذا الدواء بالفعل قد أفادك وأنه دواء سليم وأنه دواء غير إدماني، هذا هو المطلوب في وجهة نظري، وأنت ليس لك أي شيء تخفيه، لا يوجد ما تخشاه ولا يوجد سبب يجعلك تخفي هذا الأمر، بالرغم من معرفتي التامة أن الناس قد تلجأ لسوء الفهم وسوء التأويل، ولكن دائماً الشرح المعقول يصحح مفاهيم الناس، هذه حالة بسيطة جدّاً وهي نوع من القلق، وأنت الحمد لله قد استفدت من هذا الدواء، وكما أنك تطبق إرشادات علاجية أخرى مثل تمارين الاسترخاء وممارسة الرياضة وتنظيم الوقت، هذا كله يجعل هذا الشخص - إن شاء الله تعالى – يستوعب وضعك بصورة صحيحة، وأعتقد أنه سوف يكون مناصراً لك وسوف يشرح للآخرين إذا سألوا.
أنا لا أعتقد أن الموضوع سوف ينتشر وسط أفراد العائلة للدرجة التي تزعجك، هذا أمر يخصك، ولكن من يريد أن يعرف يجب أن تشرح له، وليس هنالك أي تصرف آخر مطلوب في نظري، وهذا هو التصرف السليم.
يمكن أيضاً أن تدعم المعلومات العلمية التي سوف تقولها بإحصائها، فإنه يعرف أن حوالي أربعين بالمائة من الناس يعانون من قلق وتوتر، ولكن الذين يذهبون لمرافق العلاج هم فقط حوالي خمسة عشر بالمائة، إذن أنت تعتبر من السعداء الذين قدموا أنفسهم للعلاج، والعلاج بسيط وليس تعودياً وليس إدمانياً، هذا هو المطلوب وليس أكثر من ذلك، وإذا لم يسألك – حتى هذا الفرد التي اكتشف أنك تتناول هذا الدواء – فأنت يجب أن تتجاهل الموضوع تماماً وليس لديك ما تخافه أو تخشاه كما ذكرت لك.
أنا سعيد جدّاً أن أسمع عن التحسن الذي توصلت إليه الآن وأنك في وضع مريح وتوازن نفسي كامل، هذا يجب أن يكون دافعاً لك من أجل الإنجاز العلمي والتركيز في دراستك، ويجب ألا تشغل نفسك أبداً بقضية الدواء، فالشرح البسيط الذي ذكرته لك سوف يكون مقنعاً لأفراد أسرتك إذا أحد منهم تطرق لهذا الموضوع، وفي نفس الوقت أود منك أن تواصل الدواء ولا تتوقف عن العلاج، وعليك أيضاً تدعيم العلاج الدوائي بالاستمرار في التطبيقات السلوكية والتي أفادتك كثيراً.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، ونسأل الله لك الشفاء والعافية.
وبالله التوفيق.