الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
قد أعطيت وصفاً مثالياً لما يعرف بحالة القلق - أو الرهاب أو الخوف – الاجتماعي، وهو نوع من أمراض القلق الذي يجد فيه الإنسان صعوبة في مواقف اجتماعية معينة، وهو من حالات القلق التي كثرت وانتشرت في زماننا هذا، والذي أود أن أؤكده لك أولاً:
(1) أن القلق أو الرهاب الاجتماعي ليس دليلاً على ضعف شخصيتك أو قلة إيمانك، إنما هو حالة نفسية مكتسبة والشيء المكتسب أو المتعلم من المنطق جدّاً ألا يكتسب وأن يفقد، وهذا ضروري جدّاً في آليات العلاج الذي سوف نشرحها لك. أي أن الإنسان إذا تعلم شيئاً يمكن أيضاً أن يفقد هذا الشيء أو أن يختفي هذا الشيء بإدخال ظاهرة مضادة وهي ما نسميها بـ (تعديل السلوك).
(2) هنالك خطوة مهمة جدّاً في علاج مثل هذه الحالات والتي نسميها بـ (تصحيح المفاهيم).. فإن كثيراً من مرضى الرهاب الاجتماعي لديهم مفاهيم خاطئة وهم بالطبع لا يلامون على ذلك لأن طبيعة المرض هي التي فرضت هذه المفاهيم الخاطئة.. وأنت لديك هذه المفاهيم التي في نظري هي معيقة لدرجة كبير ولذا يجب أن نصححها..
أولاً: أؤكد لك أن كل الأعراض التي تعاني منها تظهر عليك بصورة فسيولوجية مبالغ فيها، فعلى سبيل المثال: التعرق وضربات القلب والارتعاش هي موجودة – نحن لا ننكر ذلك – ولكنها ليست بالضخامة وليست بالتجسيم الذي تتصوره أنت، وهذا أيضاً ينطبق على التفاعل الوجداني، فمعظم مرضى الاكتئاب – وأنت منهم – يعتقدون أنهم سوف يفشلون أمام الآخرين وأنهم سوف يتلعثمون وأنهم سوف يسقطون على الأرض، وأن الآخرين يقومون برصدهم ومراقبتهم .. هذا أيضاً ليس صحيحاً، فقد قام أحد العلماء النفسيين بتصوير الأشخاص الذين يعانون من الرهاب الاجتماعي وبنوع آخر من أنواع الرهاب يسمى بـ (رهاب الساحة)، قام بتصويرهم عن طريق الفيديو دون علمهم، وبعد ذلك عرض عليهم الشريط الذي قام بتسجيله وطلب منهم أن يقارنوا بين مشاعرهم وبين ما يرونه أمامهم، فبعد ذلك اقتنعوا بأن أعراضهم التي يحسون بها ليست بالشدة التي كانوا يتصورونها، فعلى سبيل المثال الارتعاش لم يظهر بالشدة التي كان يتخيلها الواحد منهم، وكذلك التعرق وكذلك التلعثم في الكلام.
أرجو أن تستوعب هذه الجزئية بكل دقة لأنها في نظري مهمة جدّاً.
(3) علاج الرهاب والمخاوف الاجتماعية هو المواجهة وعدم التجنب، حيث إن تجنب الموقف الاجتماعية الذي يرهبه الإنسان سوف يؤدي إلى زيادة في القلق وسوف يؤدي إلى مزيد من التجنب وربما يولِّد نوعاً من الرهاب لأشياء أخرى جديدة.
بالطبع الإنسان حين يواجه سوف يحس بالقلق، ولكن وجد أن الاستمرار في المواجهة سوف يضعف هذا القلق حتى يرجع الإنسان إلى الوضع الطبيعي، والمواجهة يمكن أن نقسمها إلى جزئين: المواجهة في الخيال، ثم المواجهة في الواقع.
والذي أنصحك به هو أن تبدأ بالمواجهة في الخيال، فأنت الحمد لله معلِّم وفي نظري حالتك - إن شاء الله تعالى – سوف تكون سهلة العلاج، فاجلس في مكان هادئ وتصور أنك تقوم بإلقاء درس أو محاضرة في جمع كبير جدّاً من المعلمين ويوجد مدير المدرسة ومسئول التعليم وأنت تلقي هذه المحاضرة – على سبيل المثال – وتتحدث في آليات الدرس أو كتحسين المهارات لدى الطلاب، أو أي موضوع مشابه.
تخيل هذا الأمر وعش هذا الخيال لمدة لا تقل عن ربع ساعة، وبعد ذلك تخيل أنك ذهبت إلى المسجد وغاب الإمام وطُلب منك أن تصلي بالناس - عش هذا الخيال – أو تصور أنك لكم مناسبة في البيت ومناسبة كبيرة جدّاً وجاءكم الزائرين ومن تعرف ومن لا تعرف، وأنك ستقابلهم وسوف تكرمهم – وهكذا عش هذه الخيالات بكل قوة وبكل قوة -.
بعد ذلك عليك التطبيق العملي، فحين تقف أمام الطلاب تذكر أولاً أن أعراضك التي تستشعرها في بعض الأحيان هي ليست حقيقية كلها، وتأكد أنه لن يحدث لك أي شيء – هذا ضروري جدّاً – وعليك أن تتأكد أن مهمة المعلم ووظيفته هي من أرفع ومن أنبل الوظائف، وأنت - إن شاء الله تعالى – أهل لذلك وأنت قادر على أن تقوم بهذه الوظيفة على أكمل وجه، فيجب أن تعيش هذه الحقيقة.
بعد ذلك هنالك سُبل علاجية مهمة جدّاً وهي ما يسمى بالتفاعل الاجتماعي غير المباشر، وهنالك طريقتان أستطيع أن أقول إنها من أفضل الطرق:
الطريقة الأولى هي: أن تمارس الرياضة الجماعية مثل كرة القدم مع زملائك أو أصدقائك أو أي مجموعة من الناس، وبالطبع حين تمارس هذه الرياضة سوف تتفاعل مع الآخرين، وهذا وجد أنه يقلل كثيراً من الرهاب الاجتماعي.
الطريقة الثانية - وهي طريقة مهمة جدّاً – هي أن تحضر حلقات الذكر وحلقات التلاوة وتشارك فيها، فأنت الحمد لله رجل تقرأ القرآن ومجيد لذلك - بفضل الله تعالى – وحريص على صلواتك، ففي هذه الحلقات سوف تحس بالطمأنينة وسوف تحس أن الخوف والرهاب قد انتهى، وهذا في نظري سوف يكون عاملاً علاجياً ضرورياً لك.
بعد ذلك أريد منك أن تتعلم ما يعرف بتمارين الاسترخاء، وهي تمارين كثيرة ومتعددة، فهنالك طريقة تعرف بـ (طريقة جاكبسون) وهي من الطرق المختصرة جدّاً، والحمد لله في المملكة العربية السعودية يوجد الكثير من الأشرطة والكتيبات في المكتبات التي توضح تمارين الاسترخاء، فيمكنك الحصول على أحد هذه الأشرطة أو الكتيبات ومحاولة تطبيق هذه التمارين بصورة جيدة، ويمكنك أيضاً أن تقابل أحد الأخصائيين النفسيين – وليس الأطباء النفسيين – وسوف يقوم بتعليمك وتدريبك على هذه الطريقة.
يأتي بعد ذلك العلاج الدوائي - وهو سؤالك الثاني – فأقول لك: نعم - بفضل الله تعالى – توجد عدت أدوية فعّالة وممتازة جدّاً لعلاج القلق والرهاب الاجتماعي، منها العقار الذي يعرف باسمه التجاري (زولفت Zoloft) أو باسم آخر (لسترال Lustral) ويسمى باسمه العلمي (سيرترالين Sertraline)، وكذلك عقار يسمى باسمه التجاري (سبرالكس Cipralex) ويسمى باسمه العلمي (استالوبرام Escitalopram)، وعقار ثالث يعرف باسمه التجاري (فافرين Faverin) ويسمى باسمه العلمي (فلوفكسمين Fluvoxamine)، ورابع آخر يعرف باسمه التجاري (إيفكسر Efexor) ويسمى باسمه العلمي (فنلافاكسين Venlafaxine).
أما بالنسبة للـ (زيروكسات Seroxat) فأقول لك أيضاً: هو من أفضل الأدوية التي تستعمل لعلاج الرهاب والخوف الاجتماعي وهو أكثر هذه الأدوية التي تمت دراستها وتجربتها في علاج الرهاب الاجتماعي، وهنالك بعض الضوابط التي لابد أن أوضحها لك وهي: أنه لابد أن تكون الجرعة صحيحة – هذا مهم جدّاً – ولابد أيضاً أن يستعمله الإنسان لمدة صحيحة.
بالنسبة للجرعة، تبدأ جرعة (الزيروكسات Seroxat) - ويسمى أيضاً (باكسيل Paxil)، ويسمى بالاسم العلمي (باروكستين Paroxetine) - بعشرة مليجرام، نصف حبة ليلاً لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك ترفع الجرعة إلى عشرين مليجرام - حبة واحدة - وبعد شهر ترفع الجرعة إلى أربعين مليجرام - وهذه تعتبر الجرعة العلاجية – وتستمر عليها لمدة ستة أشهر بانتظام، ثم بعد ذلك تخفض الجرعة بمعدل نصف حبة كل شهرين حتى تتوقف عن العلاج.
هذه هي الجرعة المناسبة وتلاحظ أن الجرعة في بداية الأمر كانت صغيرة ثم بعد ذلك انتقلنا إلى الجرعة العلاجية – وهي أربعين مليجرام – ثم بعد ذلك أتينا إلى الجرعة والوقائية وهي الجرعة التي تبدأ في نقصها بالتدرج كما أوضحنا لك.
أما بالنسبة للأعراض الجانبية للدواء فلا شك أن لكل دواء أعراضاً جانبية ولكن أؤكد لك بصفة قاطعة أن الزيروكسات من أسلم الأدوية، حيث إنها لا يؤثر مطلقاً على الأعضاء الرئيسية في جسم الإنسان. في الأيام الأولى ربما يؤدي إلى شعور بالجفاف القليل في الفم، وبعض الناس يشتكون أيضاً من عسر في الهضم ولكن هذا يمكن التخلص منه بتناول الدواء بعد الأكل. أيضاً ربما يؤدي إلى زيادة بسيطة في الوزن، وهذه بالطبع يمكن التغلب عليها والتخلص منها أيضاً بممارسة الرياضة التي نصحناك بها، وكذلك التحكم في الطعام.
توجد آثار جانبية أخرى وهي أن الزيروكسات قد يؤخر القذف لدى الرجال، فإن هذا يحدث لكثير من الرجال، وقد يكون مزعجاً للبعض ولكن البعض أيضاً يجده أنه غير مزعج مطلقاً.
هنالك كلام كثير جدّاً عن الزيروكسات وعلاقته بالقوة الجنسية، فهنالك من ذكر أنه ربما يؤدي إلى ضعف قليل في الأداء الجنسي أو ضعف في الانتصاب، هذا ربما يحدث لأقلية قليلة جدّاً من الناس خاصة الذين يفكرون في هذا الأمر كثيراً، ولكن أعرف أيضاً من تحسن أداؤهم الجنسي بعد تناول الزيروكسات.
إذن: مجمل القول أنه - إن شاء الله تعالى – لا يوجد ضرر من ناحية القوة أو المعاشرة الزوجية، فقط ربما يحدث ضعف قليل في الرغبة، وهذا أمر مؤقت، والدواء لا يؤثر مطلقاً على الخصوبة بالنسبة للرجل أو حتى بالنسبة للإناث، وهو لا يؤثر مطلقاً على هرمون الذكورة.
هذا هو الذي وددت أن أوضحه لك وبكل تأكيد أوصيك تماماً على تناول الزيروكسات بالصورة التي وصفتها لك مع الالتزام التام بالإرشادات السابقة، وتأكد أن هذا القلق وهذا الرهاب - إن شاء الله تعالى – سوف يختفي، وأسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد، وجزاك الله خيراً على تواصلك مع الشبكة الإسلامية وثقتك فيما تقدمه من استشارات.
لمزيد من الفائدة حول العلاج السلوكي للرهاب يمكنك الاطلاع على الاستشارات التالية: (
259576 -
261344 -
263699 -
264538 )والخجل: (
267019 -
1193 -
226256 ) ولتقوية الثقة بالنفس: (
265851 -
259418 -
269678 -
254892).
وبالله التوفيق.