الشكوى من الضراء والبلاء لا يكون إلا لله
2008-05-26 11:59:06 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
أنا دائمة الشكر لله على كل شيء في حياتي والحمد لله، لكن في بعض الأحيان أحس بقليل من الحزن، فهل عندما أحكي لإخوتي عن شعوري تعتبر هذه شكوى لأن الله أوصانا بعدم الشكوى؟
وشكراً لكم.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ بهار حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله جل جلاله أن يصرف عنك كل سوء وأن يعافيك من كل بلاء، وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم.
بخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة بهار حفظك الله – فإنك تعلمين أن الله تبارك وتعالى أول ما خلق آدم – عليه السلام – خلقه في الجنة، وقال له:((إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى))[طه:118-119]، أي إن الجنة دار نعيم مقيم ليس فيها منغصات ولا مكدرات وليس فيها هموم ولا أمراض ولا أحزان، لا يشيب الإنسان فيها أبداً ولا يهرم، ولا يمرض ولا يبأس ولا يجوع ولا يتعرى.
ولكن ما الذي حدث؟ - لعن الله إبليس - حسد أبانا آدم على هذه النعمة التي أكرمه الله بها ثم بعد ذلك بدأ يزين له ويوسوس حتى أُخرج آدم – عليه السلام – وزوجه حواء من الجنة إلى دار النكد والتعب والمصائب، فيومٌ فرحٌ ويوم حزن، يومٌ صحة ويوم مرض، يومٌ حياة ويومٌ موت، يوم غنى ويوم فقر، هذه هي طبيعة هذا الحياة التي نعيش فيها، وقلَّ ما نجد إنساناً بلا هموم ولا مشاكل؛ لأنه لو وجد هذا فهذا في حكم النادر والنادر لا حكم له، الأصل فيه أن الإنسان يتغير كتغير الليل والنهار، هذا الكون الذي نحن فيه لا يعرف الثبات مطلقاً لأن طبيعته قائمة على التغيير، فنحن نرى الآن الليل يأتي بعده النهار، والنهار يأتي بعده الليل، ونرى القمر يخرج ليلاً ثم يختفي ونرى الشمس تخرج نهاراً ثم تختفي، نرى هبوب الريح العاتية ونرى السكون والاعتدال، نرى الحرارة والبرودة، نرى الصيف والشتاء والربيع والخريف، نرى الذين يولدون كل يوم في مستشفيات الولادة ونرى الذين يموتون كل يوم يذهبون إلى المقابر، كل ذلك نراه لأن هذه طبيعة هذه الحياة؛ ولذلك قال الله تعالى: ((وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ))[الأنبياء:35]، فالشر والخير هو عبارة عن الغنى والفقر والصحة والمرض والعطاء والمنع، فتلك - أختي الكريمة – هي طبيعة الحياة التي نحياها.
ولذلك كونك أحياناً تشعرين بفضل الله تعالى بنوع من الاستقرار ونوع من الأمان ثم في بعض الأحيان تشعرين بقليل من الحزن، فهذا أمر طبيعي بل احمدي الله تعالى على ذلك، فإن هناك من لا يفارقه الحزن مطلقاً، هناك أناس كأنهم كتبوا بينهم وبين الهموم عقداً لا ينفك أبداً ولا يتوقف، لا يعرفون الفرح ولا يعرفون السعادة، تعساء منذ وُلدوا وإلى أن يموتوا، وهذه لحكمة يعلمها الله تبارك وتعالى، والله جل جلاله قد رتب هذا الكون بحكمته وقدرته وإرادته وعلمه ورحمته ((أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ))[الملك:14]، سبحانه بلى يعلم.
فكونك تشعرين بقليل من الحزن معنى ذلك أنك إنسانة من فضل الله تعالى قد أنعم الله عليك بنعم عظيمة.
أما قضية الشكوى فالشكوى لمثلك لا ينبغي لأنك كما ذكرت أنت تشعرين أو تحسين أحياناً بقليل من الحزن، معنى ذلك أن حياتك عمومها - أو في العموم - حياة طيبة مستقرة، فهل يُعقل أننا بهذه النعم العظيمة نشكو الله تعالى إذا حدث شيء من الحزن إلى غيرنا، الأولى بنا ألا نشكو إلا إلى الله تبارك وتعالى وحده؛ ولذلك القرآن الكريم يقول: ((قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ))[المجادلة:1]، فالشكوى لا تكون إلا لله تعالى، إذا كنتُ أنا مريضا أسأل الله تعالى: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}، أسأله أن يشفيني، وإذا كنت أشعر بنوع من الضعف أو هناك أمور لا أستطيع أن أنجزها أو أنفذها أو هناك أمور صعبة لا يمكن تطبيقها في حياتي أو سمعت كلمة أحزنتني أو رأيت مشهداً فأفزعني، فأفزع إلى الله تبارك وتعالى وألجأ إليه؛ ولذلك قال يعقوب – عليه السلام - ((قَالَ إِنَّمَا أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ))[يوسف:86].
ولذلك أنصحك - أختي بهار حفظك الله – أن تجعلي الشكوى لله تبارك وتعالى وحده وألا تشتكي الله لأحد من خلقه؛ لأن من الذي جاء بهذا الحزن؟ إنما هو الله، ومن الذي جاء بالسعادة والفرح؟ إنما هو الله؛ ولذلك كما أمرنا أن نشكر الله على النعمة أُمرنا أن نصبر على الضراء؛ لأن الله تبارك وتعالى يعلم أن هذا ضروري لنا؛ ولذلك ابتلانا به، واعلمي - أختي بهار – أن الله تبارك وتعالى أرحم بك من أبيك وأمك؛ ولذلك إذا نزل شيء من الحزن فهو لحكمة يعلمها الله؛ لأن النبي أخبرنا عليه الصلاة والسلام بقوله: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزنٍ ولا أذىً ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
فهذه الهموم وهذه الغموم وهذه الأحزان والكربات كلها لها أجور؛ ولذلك أنصحك - بارك الله فيك – أن تجعلي الشكوى لله تبارك وتعالى وحده، وإذا ما سألك أحد عن أحوالك فقولي: نحن بحمد الله بخير حال، وأحوالنا طيبة، ونحن أفضل من غيرنا بكثير، ونسأل الله تبارك وتعالى دوام الصحة والعافية والأمن والأمان.
كما نسأله لك الثبات على الدين والأمن والاستقرار وأن تكوني عند النعماء شاكرة، وعند البلاء صابرة، وعند المعاصي له جل جلاله مستغفرة، ونسأل الله أن يثبتنا وإياك على الحق وأن يهدينا جميعاً صراطه المستقيم.
وبالله التوفيق.