الفكر السلبي وتأثيره في حمل النفس على فقدان الأمل في الحياة
2008-01-19 13:15:38 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيراً
أرجو من سعادتكم إيصال رسالتي للدكتور محمد عبد العليم مشكورين.
أستاذي الفاضل:
الدكتور - محمد عبد العليم - حفظه الله من كل سوء.
أنا إنسان لا أعلم ما أقول في نفسي، كل ما أستطيع أن أقول لك بأني إنسان معدم، إنسان فاقد الأمل في الحياة، لا طموح ولا مستقبل، ولا حتى موفق في حياتي، أنا رجل متزوج ولدي أطفال، وأبلغ من العمر 35 عاماً، أعاني من القلق
والضيق، وعدم الرغبة بالعمل، ولا يوجد في داخلي دافعية للعمل ولا للمثابرة، تأتي لي بعض الأحيان الجرأة للعمل والمثابرة وأعمل، ولكن في منتصف الطريق أقف حائراً، ولا أستطيع إكمال مسيرتي، قد يأتي في بالي بأني مربوط أو مسحور؛ مما يمنعني من العمل أو مواصلة العمل، ويجعلني أشعر بالإحباط الدائم، والاكتئاب والضيق، أصبحت في كل شيء فاشلاً، وأشعر بأني إنسان لا أستحق الوجود.
استخدمت العديد من الأدوية النفسية، ومنها البروزاك، ولكن قطعتها، والآن عدت لاستخدام البروزاك، فهل يوجد علاج آخر أضيفه مع البروزاك للحصول على نتيجة أفضل ومثالية؟
أرجو من سعادتك النظر في رسالتي وإعطائي التحليل المناسب لحالتي، وكيف أتصرف؟ وما هو العلاج المثالي لحالتي؟
وجزاكم الله خير الجزاء.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أخي الكريم، الإنسان حين تأتيه هذه النوبات الاكتئابية يتصور الأمور بسوداوية، هذا يحدث لبعض الناس، وهذا التصور التشاؤمي والسوداوي يدخل الإنسان في دائرة من السأم، ودائرة من اليأس وفقدان الأمل وهكذا، ولكن الإنسان إذا حاول أن يغير من فكره، وأن ينظر للحياة من المنظار الآخر سوف يجد أن أفكاره السلبية هذه لم تكن صحيحة، معظم حالات الاكتئاب تتأتى من الفكر السلبي، والفكر السلبي يؤدي إلى الاكتئاب، والاكتئاب يؤدي إلى مزيد من الفكر السلبي، وهكذا تكون هذه الدائرة وهذه الحلقة المفرغة، يتحرك فيها الإنسان ويصبح مكبلاً، ولكن هنالك وسائل كثيرة للخروج، أهمها في نظري هي أن يكون للإنسان إرادة التحسن، وإرادة التحسن هي إرادة مثل كل الإرادات، الإنسان يقيم حياته وسوف يجد أن هنالك أشياء تدعوه للتحسن، على سبيل المثال أخي الكريم أنت لديك زوجة، ولديك طفل، وهذا من فضل الله عليك، كم من الناس من هو محروم من مثل هذه النعمة؟
أخي أنا على ثقة كاملة أن أشياء كثيرة افتقدها الناس أو بعض الناس موجودة لديك، وبنفس المنطق أنت قد حرمت من بعض الأشياء وتوفرت لآخرين، ولكن أخي هنا الحل سهل جداً في أمور الدنيا والمال وخلافه، يجب أن ننظر إلى من هم أقل منا، ولكن في أمور الدين يجب أن ننظر إلى من هم أرفع منا، حتى يؤتينا الله تعالى مما آتاهم، ونحاول أن نتمثل بهم.
أخي الكريم، أنت محتاج لخارطة طريق، وقد كثر الحديث في هذا الزمان عن خارطة الطريق، والخارطة في نظري واضحة، أولاً: أنت لديك واجبات حيال أسرتك، وهذا يجب أن يكون دافعاً لك لهزيمة الاكتئاب، والواجبات حيال الأسرة تتطلب العمل، تتطلب المثابرة، تتطلب علو الهمة، هذا مجرد أن يتذكر الإنسان أن لديه مسئولية سوف يستشعر هذه المسئولية، هذا نوع من العلاج، وخارطة الطريق الخاصة بك لابد أن تضع لنفسك جدولاً زمنياً يومياً، لابد أن تحدد برامج يومية، يجب أن تكتبها، بالطبع ابدأ بصلاة الفجر، وبعد ذلك اذهب إلى العمل أو إذا لم يوجد عمل اذهب وابحث عن عمل، ثم بعد ذلك تأتي فترة القيلولة والراحة، بعد ذلك الجلوس مع الأسرة، ممارسة الرياضة، التواصل الأسري، أشياء كثيرة جداً - أخي - يمكن للإنسان أن يقوم بها، وهذه علاجات، هذا جزء أساسي من العلاج، الإنسان إذا عاش حياة ذات معنى سوف يهزم الاكتئاب، ولكن إذا كان يعيش حياة بدون هدف، هذا سوف يضعه في الاكتئاب، والهدف موجود، والمعنى موجود.
أنت الحمد لله في قمة شبابك، هنالك الكثير الذي يمكن أن تقوم به أخي الكريم، فقط حسن إرادة التحسن لديك، وقوِّ من عزيمتك، وقوِّ من تصميمك، واجعل لك -كما ذكرت لك- خارطة طريق سر عليها وسوف تجد - إن شاء الله - أنك قد أنجزت.
أخي الكريم، حاول أن تستعين بعد الله تعالى بأصدقائك من الصحبة الطيبة، أجلس معهم، شاورهم في الأمر، حاول أن تتجاذب معهم أطراف الحديث، حاول أن تفكر في الكلمات الطيبة التي تصدر منهم، ستكون ذات وقع إيجابي عليك، أخي هذه كلها وسائل طيبة، مارس شيئاً من الرياضة، أخرج مع زوجتك وطفلك إلى الأماكن الترفيهية المشروعة، هنالك أشياء كثيرة يمكنك - يا أخي - أن تقوم بها لتخرج من هذا الاكتئاب، وأرجو أخي أن لا تيأس، وأرجو أن لا تسأم، وصدقني أنه لديك الكثير الذي يجب أن تعيش من أجله، وأخي الكريم فوق ذلك نحن قد خُلِقنا في هذا الأمة العظيمة هذه الأمة المحمدية، وقد خصنا الله بالكثير، وفي ديننا توجد كل وسائل العلاج، كيف ننسى الكدر؟ كيف ننسى الحزن؟ أخي كلها موجودة.
فأرجو أن تتأمل في ذلك وأن تحاول أن تطبق ما تستطيع منه، وسوف تجد - إن شاء الله - أن الأمور قد فرجت، وأن هذه السلبية، وهذه السوداوية، وهذه الظلامية التي سيطرت على تفكيرك لم تكن إلا أمراً عابراً.
أخي الاكتئاب يمكن أن يُهزم ويجب أن يُهزم .
أما بالنسبة للعلاج الدوائي، فالأدوية في نظري هي نعمة من نعم الله تعالى وهي مفيدة جداً، والبروزاك من الأدوية الطيبة، ومن الأدوية الفعالة، وحقيقةً أنا لا أحب أن أكثر من الأدوية، والإنسان يمكن أن يستعمل دواء واحداً من مجموعة واحدة وبجرعة صحيحة، أنت يمكن أن تأخذ البروزاك حتى ستين مليجرام في اليوم، أي ثلاث كبسولات، هذه جرعة علاجية، وبعد شهرين إذا لم تحس بتحسن معقول بعد تطبيق الإرشادات السابقة، وتناول الدواء، هنا في رأيي من الأفضل أن تنتقل إلى علاج آخر، إلى دواء آخر، وربما يكون الإيفكسر هو الأفضل؛ لأن هنالك دراسات تشير أنه قد ساعد الكثيرين الذين لم تساعدهم الأدوية الأخرى، إذا كان لديك قريب يعاني من اكتئاب نفسي، وتناول أحد الأدوية، وتحسن عليه فيمكنك أيضاً أن تجرب هذا الدواء؛ لأن الدراسات تشير أن التركيبة الجينية تلعب دوراً أساسياً في استجابته للعلاج، ونعرف أن بعض أفراد الأسر يستجيبون لأدوية معينة ومن فصيلة واحدة، هذا مجرد اقتراح.
هنالك أدوية تدعيمية مثل دواء يعرف باسم بوسبار، البوسبار يقال أنه إذا تم تناوله مع البروزاك أو مع الإيفكسر فربما يدعم فعالية هذه الأدوية، وجرعته هي خمسة مليجرام صباحاً ومساء لمدة أسبوعين، ثم يمكن أن ترفع جرعة البوسبار إلى عشرة مليجرام صباحاً ومساء.
هناك من أضاف أيضاً هرمون الغدة الدرقية بجرعة صغيرة، خمسين مايكروجرام، هنالك من يرى أنها إذا أضيفت لأدوية الاكتئاب سوف تنشط هذه الأدوية، حتى لو كانت الغدرة الدرقية طبيعية الإفراز، ولكن أخي بالطبع لا أنصحك بأن تتناول مثل هذه الإضافات الدوائية وحدك؛ لأنه لابد أن يكون هنالك إشراف طبي وفني في مثل هذه الحالات، ولكن رأيت من الواجب أن أذكر لك هذا من قبيل المعرفة والإلمام.
أيضاً هنالك دراسات تشير أن إضافة العقار الذي يعرف باسم لامكتال –اللامكتال هو من الأدوية المضادة للصرع كما أنه أحد مثبتات المزاج – يقال أنه حين يضاف لأدوية الاكتئاب ربما ينشط من فعالية هذه الأدوية.
مرة أخرى أيضاً لا أدعوك لتناول هذا الدواء إلا بعد استشارة طبية.
أخي الكريم الذي أرجوه منك هو أن تكون أكثر تفاؤلاً أن تغير من نظرتك السلبية، أن تحسن من إرادة التحسن لديك، ويجب أن تتذكر أخي أن لديك أشياء طيبة في حياتك، عليك أن تتذكرها، عليك أن تتمعن فيها، وعليك أن تكون جاداً أيضاً مع نفسك من أجل أن تنجز ما تريد، ومن أجل أن توفر لنفسك ولأسرتك حياة طيبة.
أما ما يخص الاعتقاد بأنك مربوط، وأنك مسحور وخلافه - أخي الكريم - السحر موجود، والعين موجودة، وكلها حق، ولكني أنا أؤمن دائماً أن المسلم المؤمن الحريص على عباداته وأذكاره، ويطبق الرقية الشرعية، هو - إن شاء الله - في حفظ الله، والأمر لا يتحمل أكثر من ذلك مطلقاً، أرجو أن لا تجد لنفسك أي نوع من التبرير بأنك مسحور أو مربوط .
أسأل الله أن يحفظك وأنت في كنف الله وفي حرز الله .
أخيراً أسأل الله لك التوفيق والسداد والشفاء والعافية.