تقلب الشخصية وكيفية العلاج

2007-11-21 11:31:41 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

كنت أعاني من رهاب اجتماعي ومخاوف لفترات من حياتي، وبفضل الله تعالى ثم باستعمال العلاج الدوائي السلوكي تلاشى كثير من ذلك، لكني منذ زمن أعتبر نفسي ماهراً لدرجة كبيرة في تقمص الشخصيات والتنقل من شخصية إلى أخرى باختياري، فما إن أقابل شخصية متدينة مشهورة إلا وأنصهر فيها بقوه وأنفعل وأشعر أنني أحاول محاكاته في كل شيء، حتى تأتي شخصية أخرى، حتى أني أحياناً أتساءل: ما هي شخصيتي الحقيقية؟

ومن الغريب أني أعاني من رهاب ومخاوف من الأماكن المغلقة، وقد مكثت ثلاث سنوات لا أقدر على حضور صلاة الجمعة داخل المسجد بسبب هذا الرهاب المحدد، وذات مرة قابلت أحد أقاربنا وهبه الله قوة شخصيه عجيبة للغاية فانصهرت معها وحاكيتها، ثم صليت في المسجد وحضرت صلاة الجمعة واستمعت الخطبة وتخطيت الخوف والرهاب، فهل هذا يسمى اضطراب الهوية أم أنه نوع من افتقاد الثقة والبحث عن مخلص؟
ولماذا حين أحاكي شخصية قوية أشعر بالقوة بشكل حقيقي؟ وهل مثبتات المزاج تساهم في تقلب الشخصية؟!

علماً أنني أعاني من أمر آخر وهو أني لا يمكن أن أثبت على حال، فأنا أعشق التقلب في كل أمر إلا في أمر الدين ولله الحمد، فأمل بسرعة من كل شيء، ومزاجي سريع الفوران بحثاً عن الجديد، ولا أستطيع التركيز على مشروع واحد أو فكرة واحدة حتى تأتي أخرى فتسرقها، أو تأتي شخصية أتقمصها فتميتها، فما تعليقكم؟!

وشكراً.


الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فجزاك الله خيراً على هذه الرسالة الطيبة، وبالتأكيد فإنك لست مصاباً باضطراب الهوية؛ لأن الشخص المصاب باضطراب الهوية في أغلب الظن لا يكون لديه الإدراك الكامل بما يصيبه من تقلبات، وربما يكون التأثير الإيحائي على شخصيتك قوياً، والتأثير الإيحائي يكون إما ناتج من دوافع نفسية داخلية لدى الإنسان وتكون هذه الدوافع إيجابية في بعض الأحيان وتكون سلبية في بعض الأحيان.

وأنت لديك الدوافع الإيجابية الإيحائية الداخلية، وأقصد بإيجابية أنك مرتبط بالواقع ولديك الوعي الكامل بما يحدث لك، ونستطيع أن نقول أن هذه التغيرات هي تحت إرادتك واختيارك بدرجةٍ كبيرة، وأنت الحمد لله يمكنك أن تتخذ القدوة الحسنة، وهذا يعتبر شيئاً ِإيجابياً.

وأما الإيحاء الداخلي السلبي فهو يجعل الإنسان دائماً يقتدي بالشخصيات السلبية، ويبتعد ويتهرب عن مسؤولياته الاجتماعية، وربما يتمارض، وهذا يعتبر نوعاً من الكسب المرضي الثانوي.

إذن؛ يمكنك أن تستفيد من هذه الحالة بشرط أن لا تكون هناك مبالغة في المشاعر وذلك حتى لا تصطدم بالواقع، وأرجو أن تقوم بتحليل داخلي لشخصيتك، وذلك بأن تعرف مصادر قوتك ومصادر ضعفك، وما هو الإيجابي وما هو السلبي لديك، وحاول أن تقتدي بالأشخاص الإيجابيين، وهذا بالطبع يعتبر أمراً جيداً، وحاول أن تتجنب أيضاً الاقتداء بما هو سلبي، وأنا سعيد جداً أنك بفضل الله تعالى لا تعاني من أي تقلبات في أمر الدين، وتمسكك بالصلاة في المسجد وحرصك على ذلك سوف يجعلك إن شاء الله أكثر اقتداءً بالجلساء الصالحين، وهذا سوف يساعدك كثيراً.

وأما ما ذكرته في نهاية رسالتك من تقلبات كثيرة في شخصيتك وفي مزاجك فربما يدل أنك شخصية مزاجية بعض الشيء، والشخصية المزاجية يمكن أن تتقلب في عواطفها ووجدانها، وهذا الأمر نسبي، لأننا نشاهد شخصيات مزاجية ثنائية القطبية، بمعنى أن تكون فترات الانشراح لديها واضحة، وفترات الإحباط والتملل أيضاً لديها واضحة، وفي بعض الحالات تكون هذه الحالات أقل حدة وأقل شدة، ولكن يمكن أيضاً اعتبارها نوعاً من تقلب المزاج.

ولست بميال لوصف مثبتتات المزاج بالنسبة لك إلا إذا رأيت أنت أن هذا الأمر قد أصبح عائقاً واضحاً بالنسبة لك، وهنا لا مانع أن تستعمل أحد مثبتات المزاج مثل الدباكين كرونو بجرعة صغيرة وهي 500 مليجرام ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، فتتناول حبة واحدة ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، وبعد ذلك يمكنك أن تراقب النتائج وترى مدى التغير الذي حدث لك، وإذا لاحظت أن هناك تحسناً وفوارق واضحة في مزاجك، فيمكنك الاستمرار على الدواء لمدة ستة أشهر أخرى، ثم تتوقف عن تناوله.

ونصيحتي لك بصفة عامة ما دمت أنت مدرك للذي ينتاب شخصيتك فلابد أن يكون لديك القدرة على التخير وعلى الانتقاء، ولا أدعوك مطلقاً أن تتقمص أي شخصية حتى ولو كانت إيجابية، ولكن لا مانع من الاقتداء المعقول؛ لأني أريد أيضاً أن تكون لك كينونتك وأن تكون الأبعاد النفسية لشخصيتك متوازنة ومتساوية وواضحة؛ لأننا كما نعرف أنه لا يوجد أي تطابق كامل بين البشر مهما كان، فالاختلافات في الطبع وفي المزاج وفي الوجدان وفي المسلك هي شيء من طبيعة البشر، ولكن الإنسان دائماً يجب أن يبحث عن القدوة الحسنة.

ولا أريدك أن تدخل في نوع من الانغماس الفكري العميق، ولا تدخل في الجوانب الفلسفية للتفسيرات التي قد يطرحها البعض لمثل هذه الحالات، حتى اضطراب الهوية هو تشخيص هلامي جداً في رأيي، وقد يؤثر كثيراً على الإنسان إذا أعطى نفسه هذا الانطباع أن لديه اضطراباً حقيقياً في الهوية، فأرجو أن تعيش حياة عادية جداً دون تفكير عميق في ماهية شخصيتك، وكما ذكرت لك هذه التشخيصات التي تُطلق في بعض الأحيان ليست قائمة على الدليل العلمي الكامل في كثير من الأحيان، أسأل الله لك التوفيق والصحة والعافية.

وبالله التوفيق.

www.islamweb.net