التغيرات السلوكية وإعادة الوضوء مرات نتيجة الوسواس
2006-08-31 09:17:42 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
أنا فتاة عمري 25 سنة بدأت الصلاة مدة 3 أشهر ثم انقطعت لأني لم أعد أحتمل أكثر، فأنا أعيد الوضوء كثيراً لأني أشك في صحته وأنقضه بسرعة حتى قبل أن أبدأ الصلاة، ولا أستطيع التركيز في صلاتي، رغم أني أحاول ذلك، وأشك جداً فيما قمت به من ركعات وأعمال.
وصلت لدرجة فقدت فيها حلاوة الصلاة، وصرت كلما أردت الصلاة ينتابني خوف شديد، وأشعر برغبة كبيرة في البكاء، لقد توقفت عن الصلاة منذ مدة، وصارت أحوالي سيئة، وأنا خائفة من غضب الله.
أنا رسبت في دراستي وهي أول مرة، وصرت أبعد كل يوم أكثر عن الطريق المستقيم وأعصي ربي أكثر، كما أني أكثر من غسل يدي وثيابي وإن كانت نظيفة، وأرى أن كل الأماكن متسخة.
أرجوكم ساعدوني فأنا أشعر أني سأجن، الكل تعب مني ومن تصرفاتي، حتى أنا نفسي ووالدتي تعبت معي ولأجلي ودائماً تبكي لرؤيتي هكذا.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سها حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
هذه الحالة التي تعانين منها هي وساوس قهرية، فيها الجانب الفكري وفيها الجانب العملي، والوساوس القهرية هي أقوال، أو أفكار، أو أعمال، أو مخاوف، أو طقوس، أو خيالات سخيفة تفرض نفسها على الإنسان وتسبب له الكثير من القلق، وربما نوعا من الاكتئاب الثانوي، وهذا هو الذي حدث في حالتك، مما جعلك تحسين بشيء من اليأس لدرجة أنك قد توقفت -بكل أسف- عن الصلاة.
الذي أود أن أؤكده لك أن الوساوس القهرية يمكن أن تعالج، وهنالك عدة نظريات تتحدث عن أسبابها، النظرية الأقوى الآن هي النظرية البيولوجية التي تقول أن هنالك اضطرابا داخلياً في دورة بعض الموصلات أو الناقلات العصبية في المخ، وهذا الاضطراب يحدث لبعض الأشخاص الذين لديهم نوع من الاستعداد الفطري أو الجيني لذلك، وربما تكون حدثت في حياتهم أحداث أدت إلى هذه الوساوس، هذه الأحداث تكون في بعض الحالات أمور بسيطة لا يعطيها الإنسان أو يعيرها اهتماماً.
الوساوس ذات الطابع الديني هي -إن شاء الله- دليل على إيمان الإنسان، وهي إن شاء الله من صريح الإيمان، ونحن لا ننكر مداخل الشيطان في هذه الأمور، ولكن -كما ذكرت لك- هي حالة طبية، ولابد للإنسان أن يستعيذ بالله من الشيطان، وأن يسأل الله أن يعافيه وأن يشفيه وأن يبعد منه هذه الوساوس.
عليك أيتها الفاضلة ألا تحسي بالذنب مطلقاً، لا تحسي بالذنب، فالوساوس كما ذكرت تأتي للكثير من المتدينين، ومن أصحاب القيم العالية والفضائل، والشيء الآخر والمهم أن العلماء الأفاضل – جزاهم الله خيراً – قد أفتوا أن صاحب الوساوس لا حرج عليه وعليه ألا يتبعها، حتى وإن شك في صلاته أو وضوئه، عليه ألا يعيد الوضوء وألا يعيد صلاته، وقد سمعت ممن أثق فيهم أنه أيضاً حتى لا يسجد سجود السهو – والله أعلم -.
في حالتك أرجو اتباع الآتي:
أولاً: بالنسبة للوضوء؛ عليك قبل أن تشرعي في الوضوء أن تقولي: لن أوسوس مطلقاً، ثم بعد ذلك تخيلي أنك تتوضئين؛ قولي: الآن غسلت يدي، الآن هذه هي المضمضة، ثم الاستنشاق، ثم الاستنثار، وهاأنا الآن أغسل وجهي، ثم يدي... وهكذا.
كرري مع نفسك ذلك عدة مرات، ثم اشرعي في التطبيق، وفي التطبيق يجب أن تحددي كمية الماء، لا تتوضئي من الماسورة أو الحنفية، حددي كمية بسيطة من الماء تكفي لوضوء الإنسان العادي، وتخيلي أنه لا يوجد ماء أمامك غير هذا الماء، ويمكنك في الأيام الأولى أن تتركي أحد الأشخاص من أهل بيتك يكون بالقرب منك ويراقبك، ويقول لك: صح، صح .. بعد أن تنتهي من غسيل كل عضو من الأعضاء... وهكذا، كرري هذا التمرين عدة مرات، سوف تجدي إن شاء الله أن مشكلة الوضوء قد انتهت تماماً.
في الصلاة أيضاً لا تكرريها مطلقاً، ستحسي بالقلق والتوتر في ذلك، ولكن لا تكرري الصلاة، إنما قومي وصلي بعض النوافل، ركعتين ركعتين، وسوف تحسين أيضاً ببعض القلق، والرغبة في الإعادة، ولكن لا تقومي بذلك.
يمكن أيضاً أن تصلي في جماعة في الأيام الأولى، ويمكنك أيضاً أن تتركي أحد الأشخاص يكون جالساً بالقرب منك وتصلين، وبعد ذلك سوف يؤكد لك أن صلاتك صحيحة.
هنالك دراسة قمنا بإجرائها، وهي أننا قد نصحنا بعض الأشخاص الذين يظنون أن صلاتهم غير صحيحة، طلبت من أحدهم أن يصلي وأن يقوم بتصوير نفسه بالفيديو وألا يعيد الصلاة، ثم بعد ذلك ينظر في الشريط، قام بعمل ذلك تسع مرات وقد كانت صلاته صحيحة بفضل الله تعالى في التسع مرات، ولم يصدق ذلك إلا بعد أن شاهد.
إذن: فأمر هذه الوساوس هو شكوك زائدة وظنان غير مؤسس، وهذا ينطبق أيضاً على غسل اليدين، أرجو أن تضعي يديك الآن في سلة المهملات، في سلة الأوساخ، ضعيها لمدة خمسة دقائق، ربما يكون ذلك صعباً عليك، لكن صدقيني ليس مستحيل التطبيق، بعد ذلك أمسكي يديك ثم خذي كمية قليلة من الماء في كوب، واعرفي أن ذلك هو الماء المتاح لك فقط، ثم اغسلي يديك بهذا الماء، كرري هذا التمرين.
أرجو أن تضعي يدك أسفل حذائك، ولا تغسلي يدك، أرجوك ألا تغسليها الآن، اغسليها بعد عشرة دقائق بكمية محددة من الماء.
هذه تمارين كلها فعّالة وكلها على أسس علمية، إذن هذه هي الجوانب السلوكية، ولابد كذلك أن يكون هنالك نوع من التأمل السلوكي، قولي: أن هذه أفكار سخيفة لن أتبعها، اجلبي الفكرة المضادة للوساوس، اجلبي الفكرة المضادة للوساوس وعظمي هذه الفكرة المضادة، ويمكنك أيضاً أن تتأملي أنك تشكين في الوضوء أو تعيدين الصلاة، ثم بعد ذلك قومي بالضرب على يدك بصورة قوية حتى تحسي بالألم، أي اقرني الألم بهذه الوساوس، وسوف يضعفها بالطبع، وهذا يسمى بفك الارتباط الشرطي.
أيتها الفاضلة: أرجو أن تستبشري؛ لأن الأدوية الموجودة الآن تقضي على الوساوس، بجانب العلاج السلوكي، وسوف أصف لك دوائين، هما الأفضل في الساحة.
الدواء الأول يعرف باسم بروزاك، والثاني يعرف باسم فافرين، ابدئي بتناول كبسولة واحدة من البروزاك في الصباح، وقوة الكبسولة هي 20 مليجرام، خذيه بعد الأكل، ثم بعد ذلك تناولي ليلاً 50 مليجرام من الفافرين، وبعد أسبوعين ارفعي هذه الجرعة إلى 100 مليجرام، ثم بعد شهر ارفعيها إلى 200 مليجرام.
إذن تكون الجرعة العلاجية: كبسولة واحدة من البروزاك في الصباح بعد الأكل، و200 مليجرام من الفافرين ليلاً، استمري على هذه الجرعة لمدة ستة أشهر، وصدقيني فمن الشهر الثاني سوف تحسين بتحسن عظيم، خاصة إذا طبقتِ الإرشادات السلوكية السابقة.
بعد انقضاء الستة أشهر أرجو أن تخفضي الفافرين بمعدل 50 مليجرام كل شهر، حتى تتوقفي عنه، أي بعد أربعة أشهر، وتستمري على البروزاك بعد أن تتوقفي عن الفافرين، تستمري على البروزاك لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم تتوقفي عنه.
هذا هو العلاج المضمون، فقط عليك بالتطبيق، وعليك بالالتزام، وعليك أن تبدئي صلاتك من الآن، واسألي الله وادعيه بكل يقين أن يرفع عنك هذا الابتلاء البسيط، وأن تزول عنك هذه الوساوس؛ فهو المجيب فله الحمد والثناء.
وبالله التوفيق.