دخلت تخصص العلوم طاعة لوالدي ولكني لا أجد نفسي فيه
2025-12-28 23:43:55 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا طالب في الصف الثالث الثانوي، أدرس في القسم العلمي (علمي العلوم)، ومنذ صغري وأنا أحب الهندسة كثيراً، ولكن في بداية السنة نصحني والدي بالالتحاق بعلمي العلوم، وأنا الآن غير مرتاح فيها، وأرغب في التحويل إلى علمي الرياضيات، لكني أشعر بحيرة شديدة؛ لأننا صرنا في شهر ديسمبر (12) والامتحانات في شهر يوليو (7)، كما أنني متفوق في مادة الأحياء -وهي مادة التخصص في علمي العلوم-، إلا أنني لا أشعر بأن لي هدفاً في أي كلية طبية؛ فماذا أفعل؟ هل أُحول مساري أم أستمر؟ مع العلم أني أخشى الحديث مع والدي في أمر التحويل.
ونقطة أخرى: كنت قد صليت صلاة استخارة في شهر سبتمبر (9) بشأن الحيرة بين الشعبتين، وأنا الآن أشعر بعدم الراحة، وأبكي كلما فكرت في الأمر؛ فهل هذا الشعور دليل من دلائل الاستخارة يحثني على التحويل، أم أن هذا من تلبيس الشيطان؟
وشكراً لحضراتكم.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نشكركم على تواصلكم معنا، وثقتكم بموقعنا، ونسأل الله أن يكتب لك الخير حيث كان ويرضيك به.
فهمنا من رسالتك -أخي الكريم- أنك تمر بحالة من الصراع الداخلي والحيرة الشديدة، بين رغبتك الأصيلة في دراسة الهندسة (علمي رياضيات) وبين الواقع الذي فرضته عليك نصيحة والدك بالالتحاق بقسم (علمي علوم)، وزاد من وطأة هذا الصراع ضيق الوقت، حيث انتصف العام الدراسي تقريبًا؛ مما ولد عندك شعورًا بالضيق والبكاء.
من الناحية الشرعية والتربوية، الاستخارة هي طلب الخيرة من الله، ونتيجتها تظهر في تيسير الأمر أو صرفه، وفي الراحة النفسية أو الانقباض، فما تشعر به من ضيق وبكاء وعدم راحة في علمي العلوم -رغم تفوقك فيه- قد يكون إشارة قوية بأن قلبك متعلق بمجال آخر، وأن نفسك لا تجد سكينتها في هذا المسار، وليس بالضرورة أن يكون هذا من الشيطان؛ فالشيطان يوسوس للإنسان ليحزنه في أمور دينه، أو ليصده عن الخير، أما الحيرة في التخصص الدراسي فهي حاجة إنسانية تتطلب الحسم، يقول الله -عز وجل-: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)، والراحة النفسية بعد الاستخارة هي مؤشر لا ينبغي تجاهله.
لفت انتباهي أنك متفوق في مادة الأحياء، وهذا يدل على أنك تمتلك القدرة الذهنية العالية، لكنك تفتقد الدافعية والشغف، في علم النفس: النجاح الحقيقي يتطلب اجتماع القدرة مع الرغبة، وبما أننا في شهر ديسمبر والاختبارات في شهر يوليو، فالتحويل لا يزال ممكناً من الناحية الزمنية، لكنه يتطلب جهداً مضاعفاً لتعويض ما فاتك في مواد الرياضيات التخصصية.
عليك أن تسأل نفسك بصدق: هل أنا مستعد لبذل جهد استثنائي في الأشهر القادمة لتعويض منهج الرياضيات؟ إذا كانت إجابتك نعم، فإن التعب في سبيل ما تحب أهون بكثير من الراحة في سبيل ما تكره.
أما خوفك من التحدث مع والدك فهو أمر مفهوم، فأنت تخشى إغضابه أو خذلانه، لكن تذكر أن والدك نصحك بقسم علمي العلوم حباً فيك، ورغبة في تأمين مستقبلك، وليس رغبة في شقائك، يقول الله تعالى: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، ومن الإحسان إليه: أن تشركه في همك بصدق، أخبره أنك حاولت وجاهدت نفسك في هذا القسم إرضاءً له، وأنك رغم تفوقك لا تجد نفسك فيه، وأنك تخشى ألا تبدع في المجال الطبي مستقبلاً؛ لأن قلبك معلق بالهندسة، الوالد عندما يرى إصرار ابنه وصدق مشاعره وتألمه، فإنه غالباً ما يتفهم ويؤازر.
من الأمور التي سوف تعينك -بإذن الله- اتخاذ الخطوات التالية:
• تواصل فوراً مع مدرس رياضيات تثق به، واعرض عليه المنهج وما فاتك، واسأله بوضوح: هل يمكنني تعويض ما فات في هذه الفترة؟ إذا أكد لك الإمكانية، فهذا سيعطيك دفعة قوية.
• اختر وقتاً هادئاً، وابدأ بالثناء على والدك وحرصه ونصيحته، ثم اشرح له حالتك النفسية بوضوح، أخبره أنك لا تريد فقط أن تنجح، بل تريد أن تبدع وتتميز، والتميز يكون فيما نحب.
• إذا قررت التحويل، ضع جدولاً زمنياً صارماً، وإذا قررت الاستمرار -لأي سبب كان-، فابحث عن كليات في قسم علمي العلوم، قد تقترب من ميولك التقنية مثل: (التكنولوجيا الحيوية، أو الهندسة الطبية في بعض المسارات).
• صلِّ صلاة الاستخارة مرة أخرى بنية التحويل، وراقب تيسير الأسباب بعد ذلك.
نصيحة أخيرة: أخي الكريم، أنت في مقتبل العمر، والحياة أمامك واسعة، لا تسمح للقلق أن ينهش في روحك، تذكر قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز)، العجز هو الاستسلام للحيرة والبكاء، والقوة هي اتخاذ قرار شجاع والعمل بمقتضاه.
أنت لا تعاني من مرض نفسي، ولكن هذه الحالة من البكاء والضيق هي قلق توتر طبيعي، نتيجة ضغط المرحلة وتعارض الرغبات، وستزول بمجرد اتخاذ القرار وبدء التنفيذ.
نسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يهديك سواء السبيل، وأن يفتح لك أبواب التوفيق والنجاح في الدنيا والآخرة.