أعيش في صراع مع تهيج القولون والوساوس التي تفسد علي صلاتي!
2025-12-28 23:29:33 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا أعاني من مشكلة تؤثر عليّ كثيرًا أثناء الصلاة، فقد تم تشخيصي من قبل الطبيبة بمرض القولون العصبي، وبسببه أعاني من كثرة الغازات، إضافةً إلى إمساك شديد ومتقطع يظهر على فترات، كما تنتابني حالات توتر شديد أثناء الصلاة، خشية الوقوع في الخطأ أو انتقاض الوضوء.
منذ يوم 24 نوفمبر من هذا العام، بل ومن قبل ذلك بشهور عديدة، أعاني في معظم الصلوات من كتم ريح شديد، أشعر بخروجه في كثير من الأحيان، وأشعر أيضًا بفقاعات داخلية مستمرة لا تنقطع، وقد تنقطع في صلاة واحدة فقط خلال يومين، وقد اضطررت إلى إعادة بعض الفروض مرات عديدة، حتى إن صلاة العشاء يوم 19 ديسمبر أعدتها مرتين، وخلال الإعادة الثانية شعرت بخروج ريح، والآن أجد نفسي مضطرة لإعادتها للمرة الثالثة.
يضاف إلى ذلك المشقة الكبيرة التي أواجهها في دورة المياه، حيث أمكث أكثر من نصف ساعة؛ للتأكد من هدوء الأمعاء.
لا أعرف ماذا أفعل؛ فإعادة الصلاة أصبحت شاقة جدًا عليّ، خاصة مع معاناتي من وسواس قهري شديد، إذ أقف في الصلاة وقتًا طويلًا، ولا تكاد تخلو صلاة واحدة من الإحساس بخروج شيء، وكل إحساس بخروج ريح أعتبره يقينًا لا يحتمل الشك؛ مما يجعل الوضع مرهقًا للغاية، فلا صلاة عندي تخلو من خوف وتعب مبالغ فيه.
أفيدوني بارك الله فيكم؛ فأنا لا أعلم متى ينقطع الإمساك، أو متى تهدأ المعدة من الغازات، كما أنني أستغرق وقتًا طويلًا جدًا حتى أشعر بالارتياح لبدء الوضوء، وقد أقطعه وأعيده بسبب كثرة الغازات.
ماذا أفعل؟ هل أعيد الصلاة كلما شعرت بخروج تلك الغازات، أو كلما كتمتها وشعرت بخروجها أثناء الكتم؟ جزاكم الله خيرًا.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ عائشة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك أختنا الكريمة في "إسلام ويب"، وردًا على استشارتك أقول مستعينًا بالله تعالى:
من خلال استشارتك، أنت تعانين -أختنا الكريمة- من الوسواس؛ فصراعك ليس مع الوضوء ولا مع الطهارة، ولكن مع الوسواس الذي منشؤه الشيطان الرجيم، أنت أيضًا تعانين من مرض عضوي، وهو تهيج القولون، وهذا المرض يسبب انتفاخات وآلامًا تتراوح بين متوسطة وشديدة؛ ما يسبب للمريض القلق النفسي، وسوف أرشدك إلى طريقة شاملة للخروج من هذه المعاناة، مستندًا إلى القواعد الفقهية والتوجيهات النفسية.
أولًا: من الجانب الفقهي الشرعي:
الحالة التي تصفينها (غازات مستمرة، فقاعات، كتم ريح، وسواس قهري) تضعك شرعًا تحت أحكام "أصحاب الأعذار" أو "المبتلى بالوسواس"، وفي كلتا الحالتين، ديننا دين يسر، وقد وضع العلماء قاعدة نصت على أن "اليقين لا يزول بالشك"، والنبي صلى الله عليه وسلم وضع حلاً قاطعًا لمشكلتك حين قال: "لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا".
الفقاعات والحركة الداخلية والضغط في منطقة المخرج لا تنقض الوضوء، ما لم يخرج منك بيقين (صوت أو تشمين رائحة)، وفي حال كانت هذه الحركات شديدة لا إرادية، وتتسبب في خروج ريح، أو صوت من الدبر، فلا تبالي بها؛ لأن حكمك في هذه الحال حكم أصحاب الأعذار الدائمة، وصاحب العذر الدائم يكفيه أن يتوضأ عند دخول الوقت، ثم لا يبالي بما خرج منه؛ فصلي بذلك الوضوء الفريضة ونوافلها، وتنفلي واقرئي القرآن حتى يدخل وقت الصلاة الثانية، ما لم تتبرزي أو تتبولي، وفي هذه الحالة صلاتك صحيحة فلا تعيديها؛ لأن الرغبة في إعادتها من وساوس الشيطان الرجيم، وإعادتها تغذي الوسواس وتضعفك أمام الشيطان الرجيم.
الوسواس مطلبه أن يدخلك في دوامة لا تستطيعين الخروج منها؛ فهو يريد منك أن تعيدي الوضوء أكثر من مرة، والصلاة كذلك؛ حتى تصابي بالإحباط، فتتركين الوضوء، ومن ثم الصلاة -والعياذ بالله-، ومن رحمة الله بعباده أن أوجد أحكامًا لأصحاب الحدث الدائم، والله سبحانه أمرنا بأداء الصلاة مرة واحدة، ولم يأمرنا بإعادتها في مثل حالتك.
ثانيًا: الجانب النفسي أو الوسواس القهري:
أنت تعانين من وسواس يسمى "وسواس العبادات"، وهو مرض نفسي وليس نقصًا في الإيمان، والمكوث في دورة المياه نصف ساعة وقت طويل جدًا ويغذي الوسواس، والمطلوب منك بمجرد الانتهاء من قضاء الحاجة أن تغسلي المحل وتخرجي مباشرة، وإن شعرت بعدم الارتياح فذلك من الوسواس، ومسألة الارتياح التي ذكرتِها ما هي إلا شعور فيه مخادعة من الشيطان الرجيم، وما دام الوسواس مسيطرًا عليك فلن تجدي ذلك الارتياح المزعوم؛ فتجاهلي ذلك، فإن الشيطان يجعل الشك يبدو كاليقين، واليقين الذي ينبغي العمل به في مثل حالتك هو: "كل يقين بخروج ريح أثناء الصلاة هو باطل، ولا يقطع الصلاة"، حتى تُشفي من الوسواس تمامًا.
يجب عليك أن تمتنعي عن الاستجابة لرغبات الوسواس، مع الاستعانة بالله على مواجهته؛ فتوضئي مرة واحدة وصلي مرة واحدة، ومهما ألح عليك عقلك بالإعادة، ارفضي ذلك تمامًا، اعلمي أن الألم النفسي الذي ستشعرين به عند عدم الإعادة هو "ألم الشفاء"، أما الراحة التي تشعرين بها بعد الإعادة فهي "تغذية للمرض".
ثالثًا: الجانب العضوي (القولون والإمساك):
القولون العصبي يتأثر مباشرة بالتوتر؛ توترك في الصلاة يزيد من تقلصات القولون، مما يزيد من الغازات، فتدخلين في حلقة مفرغة، وعلاج الإمساك هو مفتاح الحل؛ فالإمساك يجعل الغازات محبوسة ومضطربة، والأطباء ينصحون بالإكثار من شرب الماء، وتناول الألياف (الخبز الأسمر الكامل، الخضروات، الورقيات، البرتقال الكامل والتين)، عليك أن تعرضي نفسك على الطبيب المختص، وهو بدوره بعد تشخيص الحالة سوف يصف لك الدواء النافع بإذن الله، وخاصة فيما يتعلق بالانتفاخ والإمساك، وربما أعطاك بعض الملينات.
أخيرًا: الحل العملي للخروج من حالتك:
1. توضئي للصلاة عند دخول الوقت، ولا تعيدي الوضوء مهما حصل، حتى لو خرج منك ريح أو سمعت صوتًا أو شممت رائحة، وصلي بذلك الوضوء الفريضة ونوافلها القبلية والبعدية، وتنفلي به حتى يدخل وقت الصلاة التالية، ما لم تتبولي أو تتبرزي.
2. بمجرد قضاء الحاجة في الحمام قومي بالاستنجاء مباشرة، واخرجي من الحمام؛ فالتأخر يغذي الوسواس، ويجعله يشغلك بوساوسه، ويجبرك على التحاور معه.
3. لا تخرجي من الصلاة، وإن تيقنت بخروج شيء منك؛ فأنت من أصحاب الحدث الدائم ومعذورة، وصلاتك صحيحة.
4. لا تعيدي الوضوء أو الصلاة؛ فذلك لا يجوز في حقك؛ لأن ذلك إطاعة للشيطان الرجيم وعصيان لرب العالمين.
5. خذي برخصة الله في الوضوء مرة واحدة، والصلاة مرة واحدة، مهما خرج منك أثناء الصلاة؛ فالله يحب أن تُؤتى رخصه كما يحب أن تُؤتى عزائمه.
6. الصلاة ساحة رحمة وسكينة وطمأنينة للقلب، فلا تجعليها ساحة تعذيب، وإن طلب منك الوسواس الإعادة فرددي في نفسك: "أنا مريضة، والله عذرني، ولن أعيد الصلاة".
7. جاهدي الوسواس مجاهدة حقيقية؛ فمن جاهد في الله هداه الله إلى سبله، قال سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}.
8. تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى، وتحيني أوقات الاستجابة، ومنها الثلث الأخير من الليل وأثناء السجود، وسلي ربك أن ينصرك على الشيطان الرجيم ووساوسه، وكوني على يقين أن الله سيستجيب لك.
9. أكثري من ترداد دعاء ذي النون: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَاْنَكَ إِنِّيْ كُنْتُ مِنَ الْظَّاْلِمِيْنَ}، فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له؛ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ".
10. أكثري من دعاء الكرب وهو: "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم".
أسأل الله تعالى أن يجعل لك من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا؛ إنه سميع مجيب، ونسعد بتواصلك.