كيف نجيب عن أسئلة الصغار وما يشتبه عليهم في أمور الدين؟
2025-12-15 22:40:21 | إسلام ويب
السؤال:
ابن أختي، عمره 12 سنة، يسألني:
لماذا الرجل الصالح الذي رافقه سيدنا موسى (وقصته وردت في القرآن الكريم) قتل الغلام الصغير؟ هل الله سبحانه يحاسب ذلك الغلام على ذنب لم يقترفه بعد، ولأنه سوف يكون في المستقبل شقيًّا ويُشقي أباه وأمه قُتل؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا يُقتل جميع الأطفال الذين يعلم الله أنهم في المستقبل سيكونون سيئين؟
ماذا يمكن أن أجيبه لأقنعه؟ والمشكلة أنني أجيبه بما يتيسر لي من علم، لكنه طفل لا يستوعب كل الكلام، ويتساءل كثيرًا عن مثل هذه الأمور.
مع العلم أن الإنترنت ومواقع التواصل مليئة بالملحدين المشككين بالدين، والأطفال يستمعون إليهم فتُشوش عقولهم ويتساءلون، والهواتف في أيدي الصغار كارثة على عقولهم.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد المهيمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك -أخي الحبيب- في استشارات إسلام ويب، نشكر لك تواصلك بالموقع، ونسأل الله تعالى أن يجعلك مفتاحًا للخير، وأن ينفع بك.
قد أحسنت -أيها الحبيب- حين أدركت أن الصغار يحتاجون إلى إجابات مقنعة تجمع بين الوضوح والسهولة والإقناع، وهذا يختلف باختلاف الموضوع المتحدث عنه، والمسؤول عنه.
أمَّا في هذه القضية بخصوصها، فإجابته بطريقة سهلة وميسرة، هي: أن هذا الرجل الصالح الذي ذكر الله تعالى قصته مع موسى نبيٌّ من أنبياء الله تعالى، وهو الخضر، ويدل على نبوته القرآن الكريم في هذه القصة؛ لأنه قال فيها: ﴿وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾ [الكهف: 82]، يعني: إنما عن أمر ربي، وليس شيئًا فعلته من تلقاء نفسي وبرأيي، وإذا كان نبيًّا فإن الله تعالى يُوحي إليه، فيُعلِّمه ما يكون في المستقبل، وغيره من الناس لا يشاركونه في هذا إلَّا الأنبياء.
وقد أراد الله تعالى من هذه القصة بيان أن المولى -سبحانه وتعالى- يُوزِّع علمه في الناس، فأعطى هذا الرجل الصالح، وهذا العبد الصالح، والنبي الكريم (الخضر) علمًا لم يُعطه موسى -عليه الصلاة والسلام- مع أن موسى أعلى رتبة منه، فهو من الرسل، ومن أولي العزم الخمسة، ومع ذلك أوحى الله تعالى إلى موسى أن عبدي فلان في مجمع البحرين هو أعلم منك -أي في بعض الجوانب-، فلمَّا علم موسى -عليه الصلاة والسلام- بهذا عزم على السفر إليه ولقائه ليتعلَّم منه، وقد ذكر الله تعالى هذا في بداية القصة: ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾ [الكهف: 66].
وكان من جملة هذا العلم الذي علمه إياه هذه القصة، قصة الصغير، بأن الله تعالى أوحى إليه أن هذا الصغير لو بقي فإنه سيكون على الكفر والشرك، وسيفسد على أبيه وأمه دنياهما وآخرتهما، فأمره الله تعالى بقتله، وهذا كما يقول العلماء: ارتكاب للمفسدة الصغيرة لدفع المفسدة الأكبر منها، وهذا كله كان رحمة بهذين الأبوين، وتيسيرًا من الله تعالى الخير لهما.
وبهذا البيان والإيضاح يزول -إن شاء الله- الإشكال عن الصغير، ويعلم أن هذا الأمر بوحيٍ خاص من الله تعالى وبتكليف من الله عز وجل، وأن غير هذا الرجل وغير الأنبياء لا يعلمون الغيب، فلا يُصحَّ أبدًا أن يقال إن الطفل الفلاني ينبغي أن يُقتل؛ لأنه سيكون سيئًا، فهذا لا يمكن حصوله مع كل أحد، هذا من جانب.
ومن جانب آخر: يفعل الله -سبحانه وتعالى- ما يشاء بعباده من الاختبار والابتلاء والامتحان، وهو خَلَقَ -سبحانه وتعالى- السيئين ليبقوا، فكلُّ الفُجَّار والأشرار والكُفَّار كانوا صغارًا، ومع ذلك أبقاهم الله تعالى ولم يقتلهم في صغرهم؛ لأنه -سبحانه وتعالى- خلق الخلق لامتحانهم وابتلائهم، فلو قضى الله -سبحانه وتعالى- بقتل كل إنسان سيئ في صغره، لَمَا بقي هذا الميدان من الابتلاء والاختبار، ولكنَّ الله -سبحانه وتعالى- شاء بحكمته أن يُوجد الخيِّر والشِّرير ليحصل التقابل بين الخير والشر، ويبتلي الله تعالى بعض العباد ببعض، ليتبيَّن الناجح من الفاشل، والمؤمن من الكافر.
بهذا النوع من الإيضاح ستتضح للصغير هذه الحقيقة، ويزول عنه الإشكال.
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يوفقنا وإياكم لكل خير.