زوجي لا ينجب وعشرته معي سيئة، فما نصيحتكم لي؟

2024-10-28 02:43:06 | إسلام ويب

السؤال:
قد منّ الله عليّ بالصبر حتى على أتفه الأمور منذ صغري، بحجة أني إذا صبرت سأنال خيراً، لكن هذا الشيء لم يحصل، فقد تزوجت مرتين، زوجي الأول لم أكمل معه شهرين، وأعترف أني لم أتقبله، ولم أصبر عليه كثيراً، وعندما تزوجت الثاني يشهد الله أني كبرت وتعلمت الصبر أكثر، فأنا متزوجة منذ عشر سنوات، بدون وجود أطفال، بسبب مرض واضح لدى الزوج؛ لأن تحاليلي سليمة، وعندما أطلب منه الفحص يتحجج بالصبر لجمع المال للتحليل، وعمل الأنابيب، بسبب مرض وراثي لدى أهله.

لاحظت أنه أصبح لديه المال، وطالبته بالفحص، لكنه فاجأني برفضه الإنجاب، وطلب مني الانفصال للإنجاب، وأحسست بالقهر والوجع، فأنا صابرة على تركه للصلاة، وعقوقه لأمه؛ حيث إني أعينه بكل ما يطلبه، وأصبر على سوء معشره.

الآن أصبحت في الثلاثين من عمري، وليس لدي أمل بالزواج بثالث لأجل الإنجاب، فما العمل مع هذا الزوج؟ حيث إن حياتي معه سببت لي السكري والضغط.

أنا محتارة! أرجوكم، دلوني على طريق لا أندم عليه، قلبي ضائع، لا أحس بالسعادة أبداً، أحس بالظلم، كل عشرتي معه باعها لحساب راحته -حسبي الله ونعم الوكيل-.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سالمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وبعد:

دعينا ابتداء نؤسس لعدة قواعد:

أولاً: الله خلقنا لعبادته، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، هذه العبادة قاضية بأن يُغلّب العبد مراد الله على مراده، ومرضاته على رضا نفسه، مع التسليم والإيمان بأن ما أصابه من خير فهو الخير له، وما أصابه من ابتلاء فهو الخير له كذلك، فالله يعلم ونحن لا نعلم.

ثانياً: أجر الصابرين عظيم جداً عند الله تعالى، فقد وعد الله أهل الصبر بالجنة، فقال تعالى: (فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) [هود:49]، وقال: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة:155-156]، وقال: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر:10]، وقال: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل:97]. وقال صلى الله عليه وسلم: (ما أعطي أحد عطاء خيرًا وأوسع من الصبر)، وقال أيضاً: (عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن).

الصابر له الجنة والكرامة في الآخرة إذا صبر على تقوى الله سبحانه وطاعته، والصبر على ما ابتلي به من شظف العيش والفاقة والفقر والمرض، ونحو ذلك، كما قال الله سبحانه: (......وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) [البقرة:177].

ثالثاً: الدنيا التي خلقنا الله فيها هي في الأصل دار كدر وامتحان واختبار، فليست هذه الدار دارنا، وإنّما هي مرحلة بسيطة يعقبها حياة أبدية، والإنسان فيها لا بدّ أن يبتلى حتى يُعلم الكاذب من الصادق، ومن يستحق الجنة ممن لا يستحق.

إنّ من عدل الله أنّه وزّع البلاء على الجميع بحكمة، وما من إنسانٍ إلا وله حظه من ذلك، قد يقلّ هنا وقد يكثر هناك، وكل ذلك لحكمة. ثم لو كان أحد ناجٍ من البلاء لكان الأنبياء صفوة خلق الله عز وجل، ولكن على العكس تمامًا، هم أكثر أهل الأرض بلاء، قال صلى الله عليه وسلم: (أشدّ الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى المرء على قدر دينه) وذلك لأنّهم يعلمون أن عظم الأجر على قدر عظم البلاء.

رابعاً: الشيطان عدو ظاهر العداوة متعدد الوسائل في النيل من أهل الصلاح، ومن تلك الوسائل أنه يعظم لكل مبتلى ما وقع فيه من ابتلاء، حتى يوهمه أنه من أشد الناس بلاء، وأن بلاءه ليس له دواء، وهنا تضيق نفس الإنسان، ويصيبه الهم والغم، وربما يفقد تدينه بسبب انجراره خلف الشيطان في ذلك، والحق أن هناك -لو أبصر- من هم أشد منه بلاءً بكثير.

هنا نذكر قصة فتاة راسلتنا قبل مدة، هي ابنة خمسة عشر عامًا، أصيبت بمرض نادر في بدنها، مما يستوجب نقل الدم لها بصورة شبه أسبوعية، ووالدها متوفى، وأمها على فقرها هي التي ترعى وتنفق، فلا معين للبنت بعد الله إلا أمها، وفي أثناء العلاج تم نقل دم فاسد محمل بفيروس (سي) فانتشر الفيروس في كبدها -سلمها الله- ثم تضاعف الأمر حتى أفسد كليتها.
تقول الفتاة: رأيت أمي يومًا وقد تعبت من العمل؛ لأنها تعمل مدرسة في الصباح، وخادمة في البيوت في المساء لأجل أن تجلب لي ثمن الدواء!
وحين رأيتها على هذه الحالة بكيت شفقة عليها، فهل يعد هذا البكاء تسخطًا على الله؟
تقول: أنا أحب الله ولا أريد أن ألقاه وهو عليّ غاضب؟
فقد أكرمني الله كثيرًا جدًا، ويكفي أنّه رزقني حبّه وحبّب إلي ذكره، ووعدني عند الصبر جنة عرضها السموات والأرض، لكني بكيت رغمًا عنّي، فهل هذا معناه أن الله أحبط عملي؟

أختنا: أنت بالنسبة لها في عافية، ولو قدر لها أن تتمنى لتمنت أيامًا تعيش فيها فقط بلا ألم، فالحمد لله على العافية التي أنت فيها مقارنة بتلك الفتاة وأمثالها، فاحذري أن يصور الشيطان لك الحياة من عين الألم والبلاء.

أختنا الكريمة: لا شك أن ما أنت فيه ابتلاء من الله تعالى، وهو بجوار من بلغت الثلاثين ولم تتزوج أصلاً أهون، وبجوار من بلغت الثلاثين، ثم اكتشفت أن المشكلة منها هي وليست من زوجها أهون وأهون، ومع ذلك فهو ابتلاء بلا شك، ونصيحتنا لك ما يلي:

1- التودد إلى الزوج، والحديث معه بلطف، فلا شك أنه مبتلى كذلك، وهذا الأمر تحديداً عند الرجال له عواقبه المؤلمة.
2- طمأنته بأنك راضية بقسم الله تعالى، وأنك فقط تريدين البحث معه عن وسيلة للإنجاب، مع تطور العلم في هذا الجانب، لعل الله يرزقكم بمولود.
3- حثه على الصلاة وعلى بر والديه، وعدم اليأس من روح الله، والتفكير في من له تأثير عليه إيجابي، كصاحب أو شيخ مسجد أو قريب، المهم أن تتعدد الوسائل للإصلاح.
4- الدعاء أن يصلحه الله تعالى، وأن يهديه، وأن يرزقكم الخير وأن يرضيكم به.

هذا ما نوصيك به، كما نوصيك -حتى لو فشلت المحاولات- بألا تتعجلي مسألة الطلاق إلا بعد استشارة أهلك، فأنت الآن معك زوج وهناك أمل، أما الطلاق فالزواج بعده في ظل الأوضاع الحالية سيكون صعباً، والحياة بلا زوج مؤلمة ومؤلمة جداً، فلا تتركي اليقين وترحلي للوهم.

5- اعلمي أن أكثر معين لك مع الإيمان وتذكر النعم: القراءة في سير المبتلين، وكيفية صبرهم، هذا أحد السلف مرّ يومًا فسمع صوت رجل يقول: الحمد الله الذي عافاني مما ابتلى به كثيرًا ممن خلق وفضلني تفضيلاً، فذهب فنظر إليه فإذا هو أقرع الرأس، أبرص البدن، أعمى العينين، مشلول القدمين واليدين، فقال له: مِمَّ عافاك الله وابتلى به خلقه؟! فقال: ويحك يا رجل! جَعَلَ لي لسانًا ذاكرًا، وقلبًا شاكرًا، وبَدَنًا على البلاء صابرًا!

هذا الرجل لما نظر إلى البلاء نظرة مؤمن صابر محتسب، ونظر إلى البلاء من عين العطاء، قال ما قاله، وهو بنفس واثقة من عطاء الله عزّ وجل، وراضية عن قضاء الله تعالى، وكأنَّه يستحضر ساعتها قوله صلى الله عليه وسلم: (عجبًا لأمر المؤمن أن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن؛ أن أصابته سرّاء شكر؛ فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرّاء صبر؛ فكان خيرًا له).

نسأل الله الكريم أن يبارك فيك وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرزقك الصبر مع الشكر إنه جواد كريم، والله الموفق.

www.islamweb.net