عندما ألح بالدعاء تكون العاقبة عكس ما أتمنى، فما السبب؟
2024-07-15 23:32:10 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
في الآونة الأخيرة كلما دعوت الله تعالى بإلحاح في شيء ما؛ أشعر بأن ما يأتيني بعده يكون عكسه تمامًا، أو أنه يصيبني ابتلاء، فأتذكر دعوتي بهذا الشيء، فأتساءل: من أنه ربما تكون دعوتي غير لائقة، ولهذا عاقبني الله بها؟!
الآن أصبحت أخاف من أن أدعو مثلاً بالنجاح في دراستي، خوفًا من أن يصيبني شيء، لكنني مؤمنة بقدر الله تمامًا.
فما تفسير ما يحدث معي؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حبيبة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أولًا: نحبُّ أن نذكّرك بأن الإيمان بقدر الله تعالى هو جنَّةُ الله تعالى العاجلة في هذه الدنيا؛ بأن يُؤمن الإنسان بأن الله تعالى علِمَ وقوع الأشياء قبل أن تقع، وأنه سبحانه وتعالى كتب علمه هذا في اللوح المحفوظ، فكل شيءٍ مكتوب قد كتبه الله قبل أن نخرج إلى هذه الدنيا.
فإذا آمن الإنسان بهذه العقيدة، وربط عليها قلبه استراح؛ لأنه يعلم أن ما قد كُتب لن يتغيّر، وإنما دوره في هذه الحياة أن يأخذ بالأسباب، فإن الله تعالى قدَّر المقادير وجعل لها أسبابًا؛ فجعل الأكل سببًا للشِّبع، وشُرب الماء سببًا للرِّيِّ، والزواج سببًا لحصول الذُّريَّة، والسعي وراء الرزق سببًا لحصول هذا الرزق، ... وهكذا، فقدَّر سبحانه وتعالى المقادير بأسبابها، والإنسان في هذه الحياة لا يدري ما الذي كتبه الله تعالى في اللوح المحفوظ، ولكنه مأمور بالأخذ بالأسباب المباحة والمشروعة.
فإذا أخذ الإنسان بالأسباب فإنه بعد ذلك يُفوض الأمور إلى الله تعالى، ويعلم أن ما قدّره الله تعالى هو الخيرُ له وإن كان على خلاف ما تتمنّاه نفسُه وتشتهيه، فالله تعالى لطيفٌ بعباده، يُوصل إليهم الخير بطرقٍ خفيّة، وربما يوصل إليهم الخير بطرقٍ يكرهونها، ويظنونها سُوءًا، وأنت لو قرأت القرآن الكريم، وتفكّرت في أخبار الأنبياء وقصصهم لوجدت هذه القضية واضحةً جليَّةً.
فيوسف -عليه السلام- يُرمى في البئر، ويُباع في سوق العبيد بأبخس الأثمان، ويُرمى في السجن مظلومًا، وغير ذلك من الأحداث المؤلمة التي وقعتْ له، فالله تعالى يتدرّج به ليوصله إلى مُلْك مصر، فهذه هي عادةُ الله تعالى وسُنّتُه، أنه يُقدّر للإنسان أشياء يكرهها ليُؤدّيَ به إلى حالاتٍ نافعةٍ له؛ إمَّا في دُنياه، وإمَّا في آخرته.
فالله تعالى رحيمٌ بنا، وهو أرحمُ بنا من أنفسنا، فينبغي أن نُحسن الظنَّ به سبحانه وتعالى، مع الحرص على طاعته واجتناب معصيته.
وأمَّا بخصوص الدعاء: فإن الدعاء مطلوب، وهو عبادة، يُثيبك الله تعالى عن هذه العبادة بغض النظر هل حصل الشيء الذي تطلبينه، أو لم يحصل. واعلمي أن الله تعالى يُجيب دعاء الدّاعي بما هو أنفع لهذا الدَّاعي؛ فقد يُعطيه نفس الشيء الذي طلبه، وقد يدفع عنه من المكروه بقدر هذه المسألة التي سأله إيَّاها، وقد يدّخر له ثواب هذه المسألة إلى يوم القيامة؛ بهذا أخبرنا الرسول -صلى الله عليه وسلم-، والله أعلمُ بهذه المصلحة فيُقدّر للإنسان ما هو أصلح له.
وليس بالضرورة أن يكون ما حصل لك من المكروه هو بسبب دعائك، بل هذا نوع من إساءة الظنّ بالله تعالى، فالله تعالى أرحم وأحْلَم وأعظم من أن يُكافئك بالدعاء بأن يُقدّر لك الشرِّ، ولكنه شيءٌ يُوافق القدر المكتوب، فاحرصي على مدافعة الأقدار المكروهة بالتوبة إلى الله تعالى، والإنابة، والأخذ بالأسباب الصحيحة، ولا تتركي الدعاء تحت هذا الهاجس والتخويف الذي مصدره الشيطان بلا شك، فهو يريدُ أن يقطعك عن هذه العبادة العظيمة، فإن عبادة الدعاء من أكرم العبادات عند الله تعالى، وقد أمرنا -سبحانه وتعالى- بدعائه فقال: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ}.
وخذي بالأسباب لقبول الدعاء، ومن ذلك: أكل الحلال، وتجنُّب الحرام، ومع هذا كلِّه فإن الله تعالى يستجيب دعاء الدّاعي وإن كان فاجرًا فَاسِقًا؛ كما استجاب للكفّار أثناء الاضطرار، فمن سأل الله تعالى باضطرار أجابه.
وصيتنا لك: أن تُحسني الظنّ بالله تعالى، فإنه سبحانه وتعالى أهلٌ لكل جميل، وقد قال في الحديث القدسي: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ».
نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.