أتجنب صلة أقارب والدي لأنهم يؤذونني، فما نصيحتكم؟
2024-04-30 01:22:39 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
توفيت والدتي وأنا رضيعة، ولم أرها، وحصلت مشاكل بين أبي وخالاتي، وتكفلني أبي، ولم تكن لي أية صلة بعائلة أمي، وعشت مع زوجة أبي التي أعتبرها أمي -والحمد لله-؛ لأنها كانت تعاملني معاملةً حسنةً،
وبعد مرور عدة سنوات أصبحت هناك علاقة بيني وبين خالاتي، ولكن شبه عادية.
ولكن بخصوص عائلة أبي فلم أكن أرتاح لهم، وعند اتصالي بهم كانوا دئمًا ما يلومونني، مما يعكر علي مزاجي، ويومي، ويجرحني، مما جعلني أتجنب وصلهم، على الرغم من أنهم يطالبونني بالزيارة والسؤال، ولا يقومون هم بذلك، ولا يقلقني في ذلك سوى غضب الله، مع العلم أنني حتى إذا اتصلت لا أرتاح بعد الاتصال.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلاً بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وأن يرحم والدتك، وبعد:
إننا نحمد الله تعالى أن رزقك محبته، وأرشدك إلى الطريق الصحيح بالبحث عما يرضيه، وتجنب ما يسخطه، ونسأل الله تعالى أن يثبتك على ذلك، وأن يجعلك من الصالحات العابدات، إنه جواد كريم.
أختنا الكريمة: نتفهم حديثك، ونود قبل أن نجيبك أن نتحدث معك قليلاً عن فضل صلة الرحم:
فالله تعالى يقول: ﴿ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾، وفي الصحيحين عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أحب أن يُبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه".
وفي الصحيحين كذلك عن أبي هريرة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه، قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فهو لك"، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاقرؤوا إن شئتم: (فهل عسيتم إن توليتم أن تُفسدوا في الأرض وتُقطعوا أرحامكم).
هذه النصوص -أختنا الكريمة- تنبئك عن عظم صلة الرحم، وعن فضلها عند الله تعالى، وكيف أن الله يبسط لعبده الرزق بسببها، بل ويطيل عمره، وفوق هذا وذاك يرضى عنه.
والواصل -أختنا- ليس من يقابل الحسنة بالحسنة، بل الواصل الحق هو من يقابل القطيعة بالوصال؛ فقد روى البخاري، عن عبد الله بن عمرو، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قُطعت رحِمُه وصلها).
وبخصوص سؤالك: فخالاتك وإن أخطأن في حقك، وإن أكثرن من لومك، كوني أنت المتواصلة طلبًا للأجر، وليكن هذا التواصل على الحد الأدنى، وعلى الأقل الاتصال بالهاتف للاطمئنان كل فترة، مع الدعاء لهن بالصلاح والهداية.
كذلك يجب أن ننبهك إلى أن هذا التواصل لا يجب أن يكون على حساب برك بوالدك، أو بزوجته التي أحسنت إليك، أما إذا كانت تلك الصلة ستسبب لك أذيةً أو مشاكل! فلا حرج عليك من التقليل من التواصل بالقدر الذي ينجيك من الضرر.
قال الحافظ ابن عبد البر في (التمهيد): أجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، إلا أن يكون يخاف من مكالمته وصلته ما يفسد عليه دِينه، أو يولد به على نفسه مضرةً في دِينه أو دنياه، فإن كان ذلك، فقد رخص له في مجانبته، وبعده، ورب صرم (هجر) جميل خير من مخالطة مؤذية.
والصرم الجميل: هو الهجر الذي لا يقارنه أذى، ولا إساءة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الهجر الجميل هجر بلا أذى، والصفح الجميل صفح بلا عتاب، والصبر الجميل صبر بلا شكوى.
نسأل الله أن يحفظك، وأن يبارك فيك، والله الموفق.