فقدت شغفي بالحياة والدراسة، فما توجيهكم لي؟
2024-05-04 23:54:22 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم..
أنا فتاة، عمري 22 سنةً، ولدت في عائلة حياتها مليئةً بالخصومات، تمر الأيام لا نتحدث مع بعضنا البعض، تعرضت منذ سنة لصدمة وفاة والدي، وفي هذه الفترة لم أجد من يساندني أو يواسيني، فقدت ثقتي في الكل، وعزلت نفسي لفترة، وبعدها اكتشفت بأني وحيدة، ليس لدي صديقات، ولا عائلة تحبني وتعتني بي!
مع تعب الدراسة أصبحت حساسةً جدًا، أبكي لأبسط الأسباب، كثيرة التفكير، وأعيش في روتين يومي، وتمر علي أفكار غريبة؛ لماذا أنا موجودة في هذه الحياة؟
فقدت شغفي بالحياة والدراسة، أشعر بالوحدة، ولا أحد يحبني ولا يريدني، كما أنني أصبحت ضعيفة الشخصية، وأنتقد نفسي دائمًا، وشكلي، ومشيتي، وملامحي، ويسيطر علي شعور بالدونية.
لقد تعبت، ماذا أفعل؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ taso حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نحن نشعر بما تمرين به من ظروف صعبة، ونتفهم شعورك بالوحدة والحزن بعد فقدان والدك، والمشاكل في العائلة، ولكن من المهم جدًا أن تعرفي بأنك لست وحدك، وأن هناك طرقًا للتغلب على هذه المشاعر.
أولاً: من الواضح أنك تعانين من مشاعر الحزن والوحدة، وقد تعانين من أعراض الاكتئاب؛ وهو اضطراب مزاجي يمكن أن يؤثر على مشاعر الشخص، وتفكيره، وسلوكه، ويمكن أن يؤدي إلى مجموعة متنوعة من المشاكل العاطفية، والجسدية، والشعور بالحزن، وفقدان الاهتمام أو المتعة في الأنشطة، والشعور بالدونية، وانتقاد الذات، وهي بعض من الأعراض الشائعة للاكتئاب.
من المنظور الإسلامي: من المهم أن نتعرف على قيمة الصبر، والصلاة، والإسلام يعلمنا أثر الصلاة، والصبر، والتوكل على الله في تخفيف البلاء ورفعه، قال تعالى: ﴿وَٱسۡتَعِینُوا۟ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ وَإِنَّهَا لَكَبِیرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَـٰشِعِینَ﴾ [البقرة ٤٥]، وقد (مَرَّ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقالَ: اتَّقِ اللَّهَ واصْبِرِي، قالَتْ: إلَيْكَ عَنِّي، فإنَّكَ لَمْ تُصَبْ بمُصِيبَتِي، ولَمْ تَعْرِفْهُ، فقِيلَ لَهَا: إنَّه النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فأتَتْ بَابَ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ، فَقالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ، فَقالَ: إنَّما الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى) رواه البخاري.
إليك بعض الخطوات التي يمكنك البدء بها:
1. مهم جدًا أن تجدي شخصًا مختصًا يمكنه تقييم حالتك بدقة، ويقدم لك الدعم والعلاج المناسب، ولا بأس بأن تراجعي اختصاصيًا نفسيًا ليقدم لك العلاج اللازم.
2. الدعاء يمكن أن يكون مصدر عزاء وسكينة، ويمكنك الدعاء بأن يخفف الله معاناتك، ويفرج همك، ويعينك على مصائب الدنيا، فقد ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ما أصاب أحداً قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو علمته أحداً من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحاً) قال: فقيل: يا رسول الله ألا نتعلمها؟ فقال: (بلى، ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها). رواه أحمد، وهو صحيح.
3. حاولي بناء شبكة دعم اجتماعية؛ وذلك بالتواصل مع أشخاص تثقين بهم، سواءً أصدقاء، أو أقارب، أو حلقات تحفيظ القرآن؛ لأن وجود شبكة دعم اجتماعي قوية يمكن أن يساعد كثيرًا في تخفيف الشعور بالوحدة.
4. الحرص على الإكثار من الذكر والاستغفار؛ كما أرشد نبي الله نوح قومه قائلاً: (فَقُلۡتُ ٱسۡتَغۡفِرُوا۟ رَبَّكُمۡ إِنَّهُۥ كَانَ غَفَّارࣰا ١٠ یُرۡسِلِ ٱلسَّمَاۤءَ عَلَیۡكُم مِّدۡرَارࣰا ١١ وَیُمۡدِدۡكُم بِأَمۡوَ ٰلࣲ وَبَنِینَ وَیَجۡعَل لَّكُمۡ جَنَّـٰتࣲ وَیَجۡعَل لَّكُمۡ أَنۡهَـٰرࣰا ١٢).
5. الانخراط في نشاطات تحبينها يمكن أن يساعد في تحسين مزاجك، ويقلل من التفكير السلبي.
وتذكري دائمًا أن الصبر والإيمان مفتاحان للتغلب على الصعاب في الحياة، الله -سبحانه وتعالى-، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، وأن مع العسر يسرًا، فثقي بالله ثم بنفسك، واعلمي بأن هناك دائمًا أملاً، ومساعدة متاحة.
والله الموفق.
____________________________________________
انتهت إجابة الأستاذ/ فيصل العشاري -مستشار تربوي-،
وتليها إجابة الدكتور/ مأمون مبيض -استشاري الطب النفسي-.
____________________________________________
نرحب بك -أختنا الفاضلة- عبر استشارات إسلام ويب..
ونشكر لك تواصلك معنا بهذا السؤال، والذي مؤكدًا لم يكن من السهل عليك كتابته إلينا، للظروف التي تعيشينها، والحالة النفسية التي أنت فيها، وقد أجابك الفاضل: الأخ الكريم/ فيصل العشاري، وقد أفاد في إجابته، ولكن لو سمحت لي أن أضيف أيضًا.
إنه في مثل عمرك، وخاصةً إن لم تكن الأسرة داعمةً لك، بل ليس فقط غير داعمة، وإنما كما ذكرت في رسالتك أنها ممتلئة بالخصومات، ومن ثم ما تعرضت له من صدمة وفاة الوالد -رحمه الله تعالى-، أضيفي إلى ذلك ما تعيشونه في ليبيا من أزمةً كبيرةً من عدة نواحي، وآخر ما كان من أمر الإعصار والفيضانات التي أصابت منطقة درنا وغيرها.
فمن الصعب أن يعزل الإنسان نفسه عن معاناة البيئة التي هو فيها، فإذا أضفت كل هذه الأمور مع بعضها؛ فإن هذا يمكن أن يفسر لنا لماذا وصلت إلى ما أنت عليه من ضعف الثقة في نفسك، وعزلتك عن الآخرين، وشعورك بالوحدة بعيدًا عن الصديقات والعائلة، وما يمكن أن يقدم لك الدعم.
أختي الفاضلة: ليس عندي شك في أن كل هذه الظروف، ومعاناتك التي تعانينها، سيكون من نتيجتها أنك ستصبحين أقوى في هذا الحياة، وإن كنت على قناعة أنه من الصعب أن تقبلي بهذه الفكرة، إلا أن الأيام ستريك كيف أن هذه المعاناة قد أفادتك بشكل أو بآخر، فلن تعودي تلك الفتاة الغضة، وإنما الفتاة الواثقة من نفسها، والقوية، والشغوفة بالحياة.
كيف نصل إلى هذا؟
هناك أكثر من طريق، منها: أن تستعيني بالطبيب النفسي، أو حتى الأخصائي النفسي إن وجد، وإذا كنت في طرابلس فهناك أكثر من عيادة للطب النفسي، وهناك مشفى الرازي للأمراض النفسية، ويمكنك أن تحضري فيها من خلال العيادات الخارجية، ولا أظن أنك تحتاجين لأن تدخلي المشفى، ولكن يكفي الحديث مع الطبيبة النفسية من خلال العيادة الخارجية، وستشرح لك هذه الطبيبة طبيعة ما تعانين منه، وأسبابه، وأعراضه، وبالتالي الخطة العلاجية، والتي يمكن أن تكون عبارةً عن جلسات في العلاج النفسي، والذي نسميه بالعلاج المعرفي السلوكي، وربما أيضًا تصف لك أحد الأدوية المضادة للاكتئاب.
حيث إن ما وصفت ينسجم كثيرًا مع صعوبة التكيف مع كل هذه الظروف، وربما أيضًا الاكتئاب النفسي، ولا شك عندي بأنك ستخرجين مما أنت فيه، ولكن علينا أن نأخذ بالأسباب، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا قائلًا: "تداووا عباد الله فإنه ما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء"، وكما هذا ينطبق على الأمراض البدنية، فإنه ينطبق أيضًا على الأمراض النفسية.
أدعو الله تعالى لك بتمام الصحة والعافية.