والدي اشترط علي شروطاً ليقبل اعتذاري رغم أنه مخطئ!
2023-09-14 02:11:00 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
والدي كان يضربني بقسوة في صغري أنا وأخي، وعندما كبرت أصبحت الإهانة المعنوية مستمرة، فتكوّن بيني وبينه حاجز نفسي، لا أستطيع الصبر على إهانته لي ولأخي وأمي، ولذلك أصبحت لدي ردود أفعال تجاهه في بعض الأحيان، مثل رفع الصوت عليه، والصراخ في وجهه، أو إثبات أنه مخطئ أمام الناس، وعدم الصبر، خاصة عندما يتعلق الأمر بأمي، ويكون الموقف أشبه بانهيار نفسي، أتحمل الكثير ثم أفقد السيطرة على نفسي، ويصدر مني كل ما ذكرت مرة واحدة.
ذهبت للاعتذار خوفاً من العقوق، فأهانني بشدة في صفاتي الجسدية والشخصية، وأصبح يناديني بعبد الشيطان ليس عبد الله، ولم أرد عليه وتحملت، ولكني تفاجأت بأنه أعد قائمة كاملة يريد مني تحقيقها حتى يسامحني:
1. أن أتخلق بأخلاق الإسلام.
2. حضور جلسات نفسية مع طبيب؛ لأنه يظنني مريضاً نفسياً، وأنا أصلاً طبيب أسنان حديث التخرج.
3. أن أقبل يده أمام أصحابه، ثم أمام أقاربه، ثم أمام أقارب أمي؛ لأنهم علموا بالمشكلة؛ لأنه يقول أن معزّته قلت عندهم، بالرغم من أنه الذي أراد إدخالهم في المشكلة، وطلبت منه كثيراً أن لا يشرك أحداً أو يحكم أحد بيننا؛ لأنه يقاطع من يخالفه الرأي، ويريد أن يقف الجميع معه في الخير وفي الشر.
لدي سؤالان:
الأول: هل حالة الانهيار النفسي التي أقع فيها، ويصدر مني ما يصدر تجاهه تعتبر عقوقاً؟ وهل يجب علي تحمل الإهانة؟
الثاني: هل من حقه اختيار شروط الاعتذار؟ أي هل يجب علي اتباع شروطه حتى يقبل الله توبتي؟ مع العلم أن الهدف من الاعتذار رفع الذنب وقبول التوبة، وليس لإصلاح العلاقه معه.
عذراً على الإطالة.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبدالله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأهلا بك -أخي الحبيب- في موقعك إسلام ويب، ونحن سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يقدر لك الخير حيث كان وأن يرضيك به.
وأما بخصوص ما سألت عنه، فإننا نجيبك من خلال ما يلي:
أولاً: نتفهم تماماً حديثك دكتور عبد الله، ونكاد نرى الخلفية الذهنية التي صاحبتك وأثرت فيك وفي حروفك، ونعلم أن القسوة التي عايشتها ظلت بقاياها جاثمة على صدرك، واليوم أنت لم تعد في ضعف أمس، وأبوك -حفظه الله- لم يعد في قوة أمس، وقادم الأيام لصالحك في هذا الاتجاه بحكم السنن الكونية، وهذا هو الامتحان الأصعب الذي تعيش فيه!
نعم -أخي-: أصعب امتحان لك في بر والدك عند قوتك وضعفه، ولو تأملت القرآن لعلمت أن الله استخدم هذا المعنى بصورة جلية واضحة، قال تعالى: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا * رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ۚ إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا)، فانظر -رعاك الله- إلى كل تلك القيود، (الأب ضعيف والابن قوي، ومنفذ كل ما أمر، وممنوع مع إنفاذ طلبه مجرد التضجر ولو (بأف)، ومأمور بالقول الكريم، وبعد كل ذلك مطلوب منه إظهار الذل لهما (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ)، وواجب أن يكون الذل المراد التخلق به عن حب وليس عن كره أو أمر مجرد، فقال: ( مِنَ الرَّحْمَةِ)، ثم بعد ذلك الدعاء لهما الدائم؛ بعد كل تلك القيود قال ربنا: (رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ۚ إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا)، فهل بعد هذا البيان بيان -أخي عبد الله-.
أخي الكريم: إن الله أمرك ببر أبيك والإحسان إليه وإن كان كافراً، بل وإن جاهدك على الكفر به، فقال: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا)، فانظر -أخي- إلى أمر الله بالمصاحبة لهذا الأب بالمعروف وحاله على ما مر عليك!
ثانياً: إننا لا بد أن نفرق بين فطرة الأب المجبولة على حب أولاده، وبين الأخطاء التي يقع فيها بعضهم، نحن لا ننكر ولا يمكنا أن نتغافل عن أخطاء بعض الآباء، بيد أن الخطأ الصادر عن كاره لك غير الصادر عن محب أراد الخير وأخطأ الهدف.
ثالثاً: دعنا بعد هذه المقدمة نجيبك عن أسئلتك:
- حالة الانهيار العصبي التي لا تدري فيها ما تقول ولا تعي لست محاسباً عليها، أما التي تدري فيها ما تقول وتتذكر فأنت محاسب عليه، ويعتبر ما فعلته ساعتها عقوقاً.
- شروط الوالد من حقه، ومن واجبك الإجابة، وتقبيلك ليد أبيك أمام الدنيا كلها رفعة لك وشرف، فلا تظنها إهانة ولا تظنها تنزلاً من مقامك وقدرك -يا أخي-.
رابعاً: نحن لسنا معك في أنك تريد من الاعتذار فقط التوبة، بل نريدك أن توطد علاقتك بأبيك، وأن تحتسب ما تفعله عند الله، وأن تعلم أن أباك الآن قد ضعف بعد قوة، وشاب بعد فتوة، واليوم أو الغد لن يجد معيناً له بعد الله إلا أنت، فمطلوب منك أن تبره مهما كان مخطئاً في حقك، واحتسب ما تفعله قربة لله تعالى، وثق بأن الله سيكرمك في نفسك وولدك وآخرتك، فالبر -أخي- دين مسترد كما العقوق سواء بسواء.
وعند الله لن تجد في رفع الدرجات مثلما تجد من بر الوالدين، فاقهر نفسك، واقهر الشيطان الكامن في فؤادك، والذي يريد أن يزيد ما بينك وبين والدك، وستجد بركة ذلك -إن شاء الله-.
نسأل الله أن يبارك لك فيه، وأن يحفظه لك، وأن يرزقك بره، والله الموفق.