ذنوب الخلوات وخطرها على المسلم
2022-06-01 03:24:35 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله.
أعاني من أحد ذنوب الخلوات وأحاول منذ فترة طويلة أن أتوقف عنه، ولكن بلا جدوى، أتوقف وأعود مرة أخرى وعلى هذا الحال كثيرا، وإلى الآن وأنا أحاول وأخشى أن لا أستطيع، فكيف ألقى الله بهذا الذنب، أخاف أن يكون لي سوء خاتمة -والعياذ بالله-، مع العلم أن الله فتح علي بطاعات أخرى، فمثلا أصلي الصلوات الخمس في المسجد، وأصلي السنن، وأقرأ أذكار الصلاة والصباح والمساء، وأصلي الضحى وقيام الليل، والصدقة، وصيام النوافل، وأجتهد في المحافظة على ورد القرآن، كما أني أجتهد في حفظ القرآن وتعلم العلم الشرعي، فهل يقبل الله مني هذه الأعمال وأنا أعصيه في السر أم يجعلها الله هباء منثورا؟ وبماذا تنصحونني لأنجو من هذا الذنب؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك -أخي محمد- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يحفظك في السر والعلانية، وأن يسترك في الدنيا والآخرة، وأن يختم لنا ولك بحسن الخاتمة.
أخي الكريم: لا شك أن كل إنسان مسلم معرَّض للوقوع في الذنوب، والفرق بينه وبين غيره أنه متى ما وقع في الذنب قام بأمرين:
الأول: تاب وأناب وسارع بالتوبة، والاستغفار، قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/ 53، وقال تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا) النساء/ 110، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا . إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا . وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) الفرقان/ 68 – 71.
والله تعالى يفرح بتوبة عبده إذا تاب إليه، كما جاء في الحديث عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلاَةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِى ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ : اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِى وَأَنَا رَبُّكَ. أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ) رواه البخاري
الثاني: أنه يدرس أسباب الوقوع في المعصية ويعمل على إزالتها، وهذا ما يجب عليك فعله -يا أخي- حتى تتخلص من هذه المعاصي.
أخي الكريم: من المعلوم أن الواجب على المسلم أن يحذر أشد الحذر من ذنوب الخلوات، فالله تعالى قد ذم من يستخفي بذنبه من الناس، ولا يستخفي من الله، قال تعالى: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) النساء/108.
وقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من ذنوب الخلوة والسر، كما جاء في الحديث عَنْ ثَوْبَانَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: (لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- هَبَاءً مَنْثُورًا) قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ، قَالَ: (أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا) رواه ابن ماجه (وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه") وهذا يوجب عليك معرفة الطريق الذي تتخلص به -إن شاء الله-، وهو كالتالي:
1- الاحتماء بالله تعالى أولا وآخرا، والدعاء والتضرع إليه، في كل صلاة أن يصرف عنك الذنوب والمعاصي، قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) البقرة/ 186.
2- مقاومة النوازع النفسية، ودفع وسواس الشيطان، وعدم الاستسلام، مع محاولة تزكية النفس بطاعة الله، قال تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) الشمس/7 – 10، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت/69.
3- استشعار مراقبة الله تعالى لك في كل وقت، وكثرة القراءة في باب المراقبة وخاصة ما كتبه ابن القيم -رحمه الله- في مدراج السالكين، فهذا سيقوي عندك هذا الباب، والسلف الصالح كثيرا ما تحدثوا عن الخلوات وحذروا منها، فقد ذُكر عن الإمام أحمد -رحمه الله- أنه كان ينشد هذين البيتين:
إذَا مَا خَلَوتَ الدهْرَ يَومًا فَلا تَقُل ... خَلَوتُ وَلكن قُل عَليّ رَقيب
وَلا تَحْسَبَن الله يَغْفُل ساعةً ... وَلا أن مَا يَخْفى عَلَيْه يَغيب
حين تدرس هذا الباب جيدا سيولد عندك الحياء من الله والخجل، وستعلم أن هذا الحياء باب من أبواب المجاهدة، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (واستحي من الله استحياءك رجلاً مِنْ أهلكَ).
4- أكثر من القراءة حول ما أعده الله لعباده الصالحين من جنة عرضها السموات والأرض، والتفكر في عذاب الله تعالى، قال تعالى: (أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) فصلت/40.
5- اجتهد في الابتعاد عن الفراغ، واحرص على الرفقة الصالحة المؤمنة التقية، واحرص أن تكون دائما مع أحد تخشى فعل ما حرم الله أمامه، على الأقل في هذه الفترة حتى يطبع الله النور في قلبك، وهذا يحتاج مجاهدة فلا تكسل.
6- اجتهد في ممارسة نوع معين من أنواع الرياضة، فهي كذلك عامل مساعد.
7- أكثر من الأعمال الصالحة التي تعملها، واستمر في حفظ كتاب الله تعالى وطلب العلم الشرعي فإن هذا باب عظيم للخير.
بارك الله فيك وكتب الله أجرك، ونسأل الله أن يصلحك وأن يسترك وأن يبارك في عمرك، والله الموفق.