كيفية التعامل مع قسوة وبخل الأب؟
2022-05-19 04:53:11 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله
مشكلتي منذ أن كنا صغارا ووالدنا يعاملنا بشكل سيء، ويقوم بضرب أمي أمامنا، ويطرد إخوتي من المنزل، وعندما يأتي ضيف من أهل الوالدة أو أصدقائنا يقوم بطردهم، ويذلنا أمامهم، ويبخل علينا بكل شيء، ويسمعنا الكلام الجارح.
أصبحنا بعمر أكبر من عمرنا وفقدنا طعم السعادة في الحياة، ولا أحد يسعد بالقرب منا، وصرت أخشى من فكرة الزواج بسبب واقع أمي، ولا أفكر فيه أبدا، وكل من يحاول أن يتقرب مني أقسو عليه.
أصابنا جميعا الاكتئاب، والوالدة فقط هي من تقوم بالنفقة علينا، في المأكل والمشرب ومصاريف الدراسة، إلى أن أنعم الله عليها بالعمل، وبنت لنا بيتا في العاصمة أنا وإخوتي من أجل الجامعات، ومع ذلك يهينها.
أصبحنا لا نلجأ له في أي شيء من أمور حياتنا، ويرمي عليها اللوم أنها تقوم بتحريضنا، أفيدونا ماذا نفعل؟ مع العلم أنهم لم يحصل بينهم طلاق، وأمي صابرة لأجلنا، ومع العلم أنه لا يقدم لنا أي شيء، ولا يسأل عن أحوالنا، وصرنا نتمنى أن تتركه لتعيش معنا في بيتها؛ لأن صحتها أصبحت تتأثر بسوء معاملته.
رجاء أفيدونا كيف نتصرف؛ أصابتنا حالة نفسية من الوضع الذي نعيشه، والشخص الذي يريدني للزواج أقسو عليه بشكل لا إرادي، وأطلب منه أن يبتعد عني لأنه يستحق إنسانة مرحة وخالية من الأحزان.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إسراء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك حُسن العرض للاستشارة، ونتمنّى ألَّا تردي مَن يطرق الباب أو من يحاول الارتباط بك، فإن في هذا الارتباط لونٌا من التخفيف على هذه الأسرة التي تجد المعاناة، ثم إنني نحيي هذه الوالدة الصابرة، ونشكر لها هذا الاجتهاد في حُسن تربيتكم، وهذا الصبر على قسوة الوالد وتقصيره.
وأرجو أن تتخذي من الوالدة قدوة، إذا كان أمر الوالد لا يُعجبكم فلا تُكرروا التصرفات السيئة، وإذا أعجبتكم مواقف الوالدة فتأسُّوا بالوالدة واستفيدوا من صبرها، واعلموا أن هذه الحياة فيها أُفق كبيرة يفتحها الله -تبارك وتعالى-، وحاولوا معرفة أسباب قسوة الوالد، مَا الذي يُريده؟ ما الذي يطلبه؟ واعلموا أن عدم قيامكم بحقه والمحاولة في البُعد عنه والالتفاف حول الوالدة ممَّا يزيد المشاكل، لأن الشرع يريد أن يُعطى هذا الوالد حقه، حتى لو كان مُقصّرًا، فحق الوالد لا يسقط حتى لو كان على غير الإسلام، حتى لو أمرنا بمعصية الله والعياذ بالله، قال تعالى: {وإن جاهداك على أن تُشرك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تُطعمها}، والد لو قال لأولاده: (لا تصلوا، لا تُؤمنوا بالله، اكفروا بالله)، ماذا قال ربنا العظيم خالِقُنا؟ قال: {فلا تُطعهما}، لأنه (لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق)، لم يقل بعدها: واشتمهم وعاندهم، وإنما قال: {وصاحبهما في الدنيا معروفًا}.
فهذا هو الذي يريده الله تعالى، إذا كانت الوالدة تصبر على هذا الوضع هي أولى وأول مَن كان ينبغي أن يتذمر ويخرج، وهي مشكورة على صبرها، ومأجورة على هذه المعاناة، ولذلك كونوا عونًا لها، بالتخفيف عليها، بمساعدتها، بإكرامها، ثم عليكم أيضًا الاهتمام بالوالد وإن قصّر في حقكم، واعلموا أن اهتمامكم بالوالد رغم تقصيره جزء أساسي من العلاج، بل هو سبب للتخفيف عليكم وعلى الوالدة، والحمد لله الذي وسّع عليكم أبواب الرزق وأعان هذه الوالدة على القيام بهذه الأدوار الكبيرة، وحُق لها أن تنال منكم التكريم، ونسأل الله أن يكتب لها الأجر والثواب، وأن يقر أعينكم بهداية الوالد وعودته إلى الصواب.
أكرر دعوتي لك بعدم رفض من يطرق الباب، ولا مانع من إخباره بأن هناك لونا من المعاناة، إذا شعرتم أن الوالد سيُحرجُه، واعلمي أن هذا الشاب الذي تقدّم إليك اختارك من بين النساء، ومن حقك أن تكوني أنت الإنسانة التي تسعد، وأن تُسعديه وتكوني فرفوشة وخالية من الأحزان، لأننا لا نريد تتابع الأحزان، بل نريد من الإنسان أن يطوي هذه الصفحات، وإذا ذكّركم الشيطان بالمعاناة فتعوذي بالله من الشيطان، وتوجهي إلى الرحيم الرحمن، واعلمي أن الخير بيد الله -تبارك وتعالى-، وأن هذا الكون ملْكٌ لله ولن يحدث في كون الله إلَّا ما أراده الله.
فإذا صبرت الوالدة لأجلكم وقرّرت أن تستمر فلا تطلبوا منها ترك هذه العلاقة، فهي أعلم برجلها، وهي أعلم بأهمية وجود الرجل رغم تقصيره في حياتها، ولذلك من حقها أن تختار الحياة التي تريد، وأنتم الحمد لله وصلتم إلى المرحلة التي تختارون فيها حياتكم، وتُقبلون على الحياة بأملٍ جديدٍ وبثقةٍ في ربنا المجيد -سبحانه وتعالى-.
نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد، وأرجو أن تُغيروا الفكرة، وهي مداراة الوالد والإحسان إليه، وإظهار الحفاوة به لله، لأن البر عبادة لله تبارك وتعالى، والله يُسائلكم إذا قصّرتم، ويسأل الوالد على تقصيره الذي يحصل، كذلك أكرر الدعوة بإكرام الوالدة، واتخاذها قدوة، وشُكرها على صبرها، ونسأل الله أن يعوضكم جميعًا خيرًا، وأن يقرّ أعينكم بعودة الوالد إلى الحق والخير والصواب.