كيف أتقبل العيش في الحياة بعد وفاة أبي؟
2021-03-11 00:21:07 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
كل الأمر أنني لا أريد العيش بعد وفاة والدي المفاجئ، أنا لا أريد العيش حقا، فقد مر على وفاته أربعة أشهر تقريبا، وأنا أعيش لحظة وفاته يوميا، لا أريد العيش بعده على الرغم من أن أمي وأخوتي بجانبي ولكني أريد أبي.
تعبت أمي كثيرا من كثرة بكائي وحزني، فأنا لا أتناول إلا القليل من الطعام، أنام بشكل متقطع؛ لأنني أخاف أن أشعر بالراحة بعد رحيل أبي، لا أعلم كيف أتقبل العيش بعده، قمت بمراسلة المستشارين، ولكن يظهر لدي بأنهم لا يستقبلون الرسائل، وأنا حقا أريد المساعدة.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونسأل الله أن يرحم والدك رحمةً واسعة، وأن يرحم أمواتنا وأموات المسلمين، وأن يرحمنا إذا صِرنا إلى ما صاروا إليه، هو وليُّ ذلك والقادرُ عليه.
بدايةً نحن نقدّر ما عندك من مشاعر، ولكننا نحب أن نذكّرك بأن المؤمن إذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر، وإذا أُعطي شكر، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يرحم الوالد رحمة واسعة، ونذكِّرُك بأنه ينتفع من دعائك، وينتفع برضاك بقضاء الله وقدره، وينتفع من الصدقة عنه، وصلة الرحم التي لا تُوصلُ إلَّا به، بل ينبغي أن تعلمي أن إحسانك للوالدة وإخوانك هو لونٌ من البِّرِّ لوالدك، فاتق الله في نفسك، واعلمي أن الصبر عند الصدمة الأولى، وأن الإنسان عليه أن يحتسب، فهذا أمر الله تبارك وتعالى.
والإنسان عند مصابه بعزيز – مثل الأب أو الأم – ينبغي أن يتذكَّر مُصابنا بالنبي عليه صلاة الله وسلامه، أكبرُ مصيبة حلَّت بالدنيا منذ فجرها وبالأُمَّة مُنذ ميلادها هي موت النبي عليه صلاة الله وسلامه. إذا كان الله قد قال لنبيه: {إنك ميتٌ وإنهم ميتون} فكيف بمن سِواه، عليه صلاة الله وسلامه.
الأمر الثاني: لابد أن تتأقلمي مع الحياة وتتكيفي معها، فإن هذه الأحزان لا تردُّ الميِّت، ولكنّها تُقعدك عن الطاعات، وتحول بينك وبين الاشتغال بذكر وطاعة رب الأرض والسماوات، والإنسان عليه أن يستأنف حياته، واعلمي أنك امتدادٌ لعمل الوالد رحمة الله عليه، فأكثر ما يُفيد الوالد هو الدعاء له، بل كل الاشتغال بالأعمال الصالحة، لأنك من كسبه، وأنت من عمله.
فاجتهدي فيما يُرضي الله تبارك وتعالى، وراعي مشاعر الوالدة ومَن حولك، واعلمي أن الذي يريد الأحزان أن تطُول هو الشيطان، لأنه يريد أن يشغلك بها عن الخير، وأن امتناعك عن الطعام يُقعدك أيضًا عن الطاعات، ويُلحق الضرر بصحتك، ويجلب الهموم والأحزان لوالدتك. واعلمي أن انزعاج الوالدة ليس من البرّ، وإذا كنت تُريدين الأجر فالأجر في بِرِّ الوالدة كما هو في بِرِّ الوالد، وبِرُّ الوالد بالدعاء، وبِرُّ الوالدة بتطيب خاطرها، وطاعة أمرها، وبالحرص على إرضائها، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يُعينك على الخير.
والإنسان لابد أن يتقبّل الحياة ويتكيّف معها، لأن الأمر لله من قبل ومن بعد، والله تبارك وتعالى يبتلي الناس، فمن رضي فله الرضا وأمر الله نافذ، ومن سخط فعليه السُّخط وأمرُ الله نافذ.
وتعوّذي بالله من التسخط من أقدار الله تبارك وتعالى، واعلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن) ثم قال: (ولا نقول إلَّا ما يُرضي ربَّنا)، فانتبهي لهذا الأمر، ثم قال: (وإنَّا على فراقك يا إبراهيمُ لمحزونون)، فالحزن والدمع كلّ ذلك مطلوب، لكن ما ينبغي أن يزيد عن حدِّه ليتحوَّل سخطًا، ليُصبح قوعدًا عن الطاعات، ليُصبح يأسًا من الحياة ويأسًا من رحمة الرحيم سبحانه وتعالى.
فتعوّذي بالله من الشيطان الرجيم، واعلمي أن الوالد بحاجة لدعائك، وبحاجة إلى أن تصلي الرحم التي لا تُوصلُ إلَّا به، وبحاجة إلى أن تُكرمي أصدقائه، بحاجة إلى أن تُنفذي عهده، بحاجة إلى أن تسيري بسيرته في الأعمال الصالحة.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والهداية.