ليس لدي القدرة على اتخاذ أي قرار في حياتي، فما العمل؟
2021-03-03 03:20:02 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
مشكلتي يا دكتور أني أشعر بالتوتر والقلق من الناس، ولا أستطيع أن أقضي أموري، ودائما أشعر بالكسل ودائما اؤجل كل الأعمال، منذ عمري 24 سنة إلى الآن وأنا أفكر أن أشتري سيارة جديدة، ولدي المال -الحمد لله-، ولكن ليس لدي القدرة على اتخاذ القرار، لأني دائما أشعر بالقلق وعدم القدرة على تحمل المسوؤلية، واتخاذ قرار نهائي في حياتي، ولا أحب أن أشعر بالمسوؤلية إطلاقا، أريد الزواج، ولكن كلما فكرت أنني سوف أكون مسوؤلا عن زوجتي أتردد ولا أستطيع الإقدام على الزواج، دائما أفكر عند السفر معها لن أعرف كيف أتصرف، ولن أستطيع الذهاب معها إلى مطعم أو إلى أي مكان، وسوف يحدث كذا وكذا، وسوف ترى أني ضعيف الشخصية وتطلب الطلاق، تعبت كثيرا يا دكتور، حياتي متوقفة، لم أفعل أي شيء ولم أتخذ قرارا في أي شيء، دائما كنت أعتمد على الآخرين.
طبيعة عملي ساعدتني قليلا وجعلتني أقابل الناس، ولكن أشعر بالتوتر والقلق، فقط عندما يأتوني النساء، لا أعلم يا دكتور ماذا أفعل؟ فلم يبق في عائلتي أحد لم يتزوج غيري، دائما أشعر بأني لا أستطيع أن أعيش حياتي كباقي الناس، ساءت حالتي في هذه السنتين، وذلك لأنني رأيت أن الذين كانوا من حولي تزوجوا ولم أبق إلا أنا، وأني أريد أن أتزوج وابني حياتي، ولكن لا أستطيع بسبب تحمل المسوؤلية، وضعف الشخصية، والتوتر وخفقان القلب والتفكير الزائد عن الحد وعدم الاعتماد على النفس.
منذ سنتين يا دكتور أصبحت لا أشعر بقضيبي، أشعر بأنه مخدر ولا ينتصب كالسابق، وربطته بموضوع القلق والتفكير، وقمت بعمل فحوصات شاملة، وكانت النتائج سليمة.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أرحب بك في الشبكة الإسلامية.
إن شاء الله حالتك بسيطة، والذي تعاني منه هو (قلق المخاوف)، كما أنك لا تُقدّر نفسك وشخصيتك التقدير الصحيح، أنت لديك مشاعر بالدُّونية، لديك مشاعر بضعف الذات، وهذا خطأ جسيم، لا بد أن تُصحح هذه المفاهيم، خلقك الله تعالى في أحسن تقويم يا أُخيَّ، وأنت لا تقلّ عن الآخرين في أي شيء، نعم الإنسان لا يكون متكبِّرًا ولا متجبِّرًا، ولا يقوم الإنسان بتضخيم ذاته أو تعظيمها أكثر من اللزوم، (الكِبرُ بطرُ الحق وغمض الناس)، لا يرفض الحق ويدفعه ويُنكره ترفّعًا وتجبُّرًا، و(غمض الناس) احتقارهم، ولكن في ذات الوقت لا يُقلِّل من شأنها.
فيا أخي الكريم: كن منصفًا مع نفسك، وافهم مصادر قوتك، وأنا متأكد أنها كثيرة، ومصادر الضعف: الإنسان يحاول أن يُعالجها وأن يُطورها ليجعلها مصادر قوة لا مصادر ضعف.
هذه هي النقطة الأولى، وهي الأساسية والجوهرية، نقطة تغيير المفاهيم عن الذات.
يوجد كتاب ممتاز اسمه (التعامل مع الذات) للدكتور بشير الرشيدي، فأرجو أن تحصّل عليه، هو موجود في المكتبات العربية.
من المهم – يا أخي – أن تكون لك أهداف في الحياة، حدِّد هذه الأهداف (أهداف قصيرة المدى، أهداف بعيدة المدى، أهداف متوسطة المدى). على مستوى الأهداف قصيرة المدى: هذه تتمُّ في أربع وعشرين ساعة أو نقول خلال أسبوع، حدِّد أي هدف مهما كان صغيرًا، حقِّقه خلال هذا الأسبوع، مثلاً: زيارة مريض في المستشفى، هذا هدف عظيم جدًّا، يعود عليك بشعور إيجابي جدًّا.
وعلى مستوى الأهداف متوسطة المدى: مثلاً تقول (خلال الستة أشهر لا بد أن أقرأ ثلاث كتب ممتازة، لا بد أن أحفظ ثلاثة أجزاء من القرآن، لا بد أن أقوم بإجراء بحث حول عملي، أو شيء مُعيَّن يتعلَّق بطبيعة عملي)، وهكذا، هذه أهداف وأهداف عظيمة جدًّا، تُشعرك بقيمتك الذاتية.
وعلى الأهداف بعيدة المدى: تعيش مثل بقية الناس، تتزوج، إن كانت لديك رغبة في دراسات عُليا تقوم بها، وهكذا.
فإذًا الإنسان يُطوّر نفسه ويستعيد ثقته ليس من خلال مشاعره، إنما من خلال تخطيطه السليم والأفعال والأهداف والطموحات التي يجب أن يقوم بها.
ويا أخي الكريم: أفضل الناس هم الذين يقومون بواجباتهم الدينية، والواجبات الاجتماعية، والواجبات الاجتماعية منشأها منشأ ديني حثَّ عليها الإسلام، ومجتمعاتنا يتمتع بها، قال بعض السلف: (عَلَامَةُ الْأَوْلِيَاءِ ثَلَاثٌ: تَوَاضُعٌ عَنْ رِفْعَةٍ، وَزُهْدٌ عَنْ قُدْرَةٍ، وَإِنْصَافٌ عَنْ قُوَّةٍ) وقال صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤْمِنُ يَأْلَفُ وَيُؤْلَفُ، وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَأْلَفُ، وَلَا يُؤْلَفُ، وَخَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ».
وسُئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ، وَأَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً ، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا ، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَئِنْ أَمْشِي مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ شَهْرًا، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ؛ مَلَأَ اللَّهُ قَلْبَهُ رَجَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُثَبِّتَهَا لَهُ ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الْأَقْدَامُ».
فيا أخي الكريم: كن نافعًا لنفسك، وكن نافعًا لغيرك، وأنصحك بحسن إدارة الوقت، وبالتواصل الاجتماعي.
هذا الخوف الاجتماعي الذي يأتيك من المقابلات والتجمُّعات علاجه بسيط، مارس رياضة جماعية مثل كرة القدم مثلاً، في المسجد، كن دائمًا في الصف الأول في صلاة الجماعة، لن يأتيك خوفًا أبدًا، لأن الخوف من الله تعالى يُقرِّبُك إليه، والخوف من الناس يُبعدك عنهم، لكن حين تعلم أن والآخرين كأسنان المشط الواحد لن تخاف من أحد، وكن دائمًا لديك القدرة على تطوير مهاراتك الذاتية، تعابير وجهك حين تقابل الناس، اعلم أن تبسُّمك في وجه أخيك صدقة، اجعل نبرة صوتك ممتازة وكلامك مُفيد، ويجب أن تكون لغة جسدك أيضًا منضبطة.
هذه هي الحياة، وهذا هو المطلوب منك، وأنا أبشّرك أن تناول أحد الأدوية المضادة لقلق المخاوف الوسواسي سوف يفيدك كثيرًا، يؤدي إلى تحسين المزاج -إن شاء الله تعالى-، يُؤدّي إلى التفكير الإيجابي، وموضوع عدم الانتصاب: لا تشغل نفسك به، هذا موضوع قلقي وليس أكثر من ذلك. خطِّط حياتك بصورة سليمة، خطّط للزواج، افتح الآفاق أمام نفسك، والدُّنيا بخير.
من أفضل الأدوية التي تتناولها عقار يُسمَّى (سيرترالين) هذا اسمه العلمي، واسمه التجاري (زولفت) أو (لوسترال)، تبدأ في تناوله بجرعة نصف حبة – أي خمسة وعشرين مليجرامًا – يوميًا لمدة عشرة أيام، بعد ذلك اجعلها حبة كاملة – أي خمسين مليجرامًا – يوميًا لمدة شهرٍ، ثم اجعلها حبتين – أي مائة مليجرام – يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم اجعلها حبة واحدة يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم نصف حبة يوميًا لمدة شهرٍ، ثم نصف حبة يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين، ثم توقف عن تناول السيرترالين.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.