لا أثق بقدراتي لأنني أعاني من الخجل وضعف في الشخصية
2021-02-22 00:16:57 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة، أبلغ من العمر 27 عاما، أعاني من ضعف في الشخصية، وخوف، وخجل من الآخرين، وأشعر بأني أقل منهم، وأنهم أفضل مني، أشعر بالوحدة، فأنا لا أملك الأصدقاء، ولم يتقدم أي شاب لخطبتي.
أنهيت دراستي الجامعية متأخرة بتخصص لا أحبه، ولكن حسب رغبة عائلتي، فلم أقدم على الوظيفة؛ لأني لا أثق بقدراتي في هذا المجال، ولا أجيد التحدث مع الآخرين، فأرتبك وأتلعثم أمامهم، ولا أجد تقديرا أو احتراما من الآخرين عند محادثتهم أو مجالستهم مما زاد من ضعف شخصيتي، وجعلني أكره وأخاف من الخروج من المنزل ورؤية الناس، وبدأت أشعر بالحزن واليأس؛ لأني لم أنجح في تحقيق أي إنجاز في حياتي بسبب خوفي وضعف شخصيتي.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ razan حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلاً بك عزيزتي، ونشكر ثقتك بنا.
بداية تأكدي أن رغبة الإنسان في التغيير من نفسه هي أهم خطوة في وصوله للتغيير الذي يريده، ومراسلتك لنا تعتبر بنظري الخطوة الأولى في الطريق الصحيح للتغيير.
إنّ ما تعانين منه -أختي الكريمة- هو مزيج بين الخوف الاجتماعي وسمات الشخصية التجنبية، ولكن برأيي ما ينطبق عليك أكثر هو سمات الشخصية التجنبية، وذلك بناء على الأعراض التي ذكرتِها لنا في رسالتك (الخوف والخجل من الآخرين/ ضعف في الشخصية/ شعورك بأنك أقل من الآخرين/ شعورك بأن الآخرين أفضل منك وأن لديهم ما ليس لديك/ شعورك بالوحدة وقلة الأصدقاء/ عدم ثقتك بقدراتك/ تأثير ذلك على حياتك المهنية والاجتماعية/ الارتباك والتلعثم أثناء التحدث مع الآخرين/ شعورك بالراحة النفسية عندما تجدين التقدير من الآخرين وانتظارك الدائم لإعجاب الآخرين بك/ تجنبك الخروج من المنزل ورؤية الناس/ الشعور بالحزن واليأس بسبب إحساسك بعدم الانجاز في حياتك عموماً).
لذا دعيني في البداية أشرح لك الفرق بينهما لكي يزداد وعيك حول مشكلتك.
* الرهاب الاجتماعي يصيب الإنسان فقط أمام الناس، حيث يحمر وجهه وترجف يديه، ويعرق جسمه، وينشف ريقه، ويشعر وكأنّ الأرض ستبلعه، وكلما ركّزت الناس عليه أكثر كلّما تلبّك أكثر، وهذا الرُهاب يجعل صاحبه يفسر كل شيء بطريقة سلبية تؤدي إلى هدم ذاته وثقته بنفسه تدريجياً.
* أما سمات الشخصية التجنبية، فهي الشعور الدائم بالنقص والدونية أمام الناس، فلا تتكلمين حتى تشعرين نفسك مقبولة من الآخرين، الإحساس بتقدير الذات يكون منبعه من الآخرين وليس من الذات نفسها، الخوف من المهام الفردية وتجنبها.
حيث يكون الفارق بين الرُهاب الاجتماعي ونمط الشخصية التجنبية أن من لديهم رهاباً اجتماعياً يتسمون خارج المواقف الحياتية المتعلقة بمواجهة الناس بالراحة وبسمات وسلوكيات سوية طبيعية، أي أن مشكلتهم بالارتباك والخجل والخوف تظهر حين مواجهة مجموعة من الناس، وهذا يجعلهم يتجنبون أية موقف فيه احتكاك مع الآخرين، أما أصحاب الشخصية التجنبية فيعانون من أعراض (تجنب الناس والإحساس بالنقص والدونية وضعف الثقة بالنفس وبأنهم غير مقبولين حتى يثبت العكس) في جميع الأوقات سواء داخل مواقف مواجهة الناس أو خارجها.
وهذه السمات للشخصية التجنبية أراها تنطبق عليك، وهذا ما جعل سمات شخصيتك تعيق تقدمك في المجال الوظيفي والاجتماعي، وذلك يستلزم منك العمل على علاج المشكلة قبل تفاقمها والتأثير على حياتك بشكل أكبر.
تعود أسباب الشخصية التجنبية إلى خبرات الطفولة (إما تسلط زائد، أو عقاب زائد، أو غياب الجو الداعم والتشجيعي للطفل وقدراته).
ولكن ليس بيدنا جميعاً العودة إلى الماضي الخاص بنا وتغييره، ولكن نستطيع التغيير من أنفسنا في وقتنا الحالي، لذا دعينا نركز على الحلول، وسأقترح عليك هذه الخطوات والتي أراها أنها ستساعدك كثيراً في تجاوز مشكلتك:
- انتسابك لدورات بناء الثقة وتعزيز الذات وهذه كثيرة، سواء على أرض الواقع أو عبر الإنترنت أونلاين، أو مشاهدة الفيديوهات التي تتحدث عن هذا الموضوع من طرف مختصين نفسيين، أو متابعة قنوات يوتيوب أو انستغرام لمدرّبي مهارات الحياة، أو قراءة كتب تتناول هذا الموضوع، جميع هذه الخطوات أعتبرها مفيدة جداً لك، فهي سترفع من وعيك حول مشكلتك، وستعطيك طريقة مختلفة للنظر إلى المشكلة وكيفية تجاوزها.
- الذهاب لأخصائي نفسي "مُتمكّن" للبدء بجلسات العلاج النفسي، أو من خلال متابعتك لفيديوهات المختصين على الإنترنت، كلا الخطوتين سترينهم يركزون على أهم وأنجح علاجات الرُهاب والخوف والأكثر فاعلية وهو العلاج المعرفي السلوكي، وسأشرح لك الآن نبذة عنه، فهو ينقسم إلى شقّين:
-الجانب المعرفي: يساعد الشخص على إدراك الأفكار والمعتقدات السلبية لديه والتي تجعل تصوّره لنفسه ناقصاً ومتدنياً، فمن خلال تسليط الضوء والتعرف على تلك الأفكار السلبية التي تستحوذ على تفكيرك والتي تؤثر على تصرفاتك ومشاعرك واستبدالها بأفكار أخرى تكون أكثر إيجابية، مما يمكّنكِ من إعادة بناء تصوّرك لنفسك بطريقة مختلفة، وهذا بلا شك سينعكس إيجاباً على تفاعلك الاجتماعي وأداؤك الحياتي والتقليل من مخاوفك.
وهنا أريد الإشارة إلى أن هذا النوع من العلاج الذي يعتمد على التغيير من الأفكار السلبية، هو مفيد جدآ لحالتك ولمن لديه ضعف في ثقته بنفسه، فالفرق الجوهري بين الواثق وغير الواثق من نفسه يكمن في تفكير ونظرة كل منهما لنفسه بغض النظر عن أية عامل آخر.
- الجانب السلوكي، وذلك من خلال:
1. تعريض الشخص لتجارب جديدة تُعزّز من ثقته بنفسه والأهم أن يكون هذا التعرض تدريجي (من حيث عدد الناس، ومدة التعرض، وأن يتعرض لمجموعة من الأفراد لا يعرفونه ولا يعرفهم لكي لا يكون لديهم حكما مسبقاً عليه، ولكي لا يرتبط لديه ذهنياً بين تلك المجموعة من الناس وقدرته على ممارسة ما تعلّم وتدرب عليه بعد انتهائه من تدريب نفسه) للمواقف التي يخافها، مع مراقبة أفكاره وتصرفاته، وهذا التعرض التدريجي المستمر سيقلل من مخاوفه، ويعزز من ثقته بنفسه مع الوقت.
2. تدريب الشخص على مهارات الثقة بالنفس من خلال: تدريبه على مهارات الإلقاء، ومهارات توكيد الذات، وأيضاً تدريبه على المظاهر الجسدية للثقة بالنفس (نبرة الصوت، سرعة الكلام، طريقة الجلوس، طريقة النظر إلى عيون الآخر، التركيز على مضمون الكلام وليس نظرة الآخرين لكلامه).
الفكرة هنا التي أريدك التركيز عليها هي أن الثقة بالنفس تأتي بالممارسة والتدريب والتعلم، وليست تحصيل حاصل على الإطلاق.
- اقتراح آخر مُجدي بأن تبحثي في اليويتوب أو جوجل عن قصص النجاح في التغلب على ضعف الثقة، والخجل مع الآخرين حيث ستجدين في نتائج البحث العديد من القصص الواقعية المُحفّزة والداعمة لك في مسيرة التغيير الخاصة بك.
- أقترح عليك أن تبحثي عن المجال الذي تحبيه وتجدين نفسك به، سواء كان دراسة معينة، أو حرفة معينة، أو مهارة معينة، أو صنعة يدوية، أي شيء تجدين نفسك أنك تحبين العمل به وتشعرين بالمتعة أثناء دراستك له أو قيامك به فابدئي به، فذلك سيعطيك ثقة بالنفس وقوة داخلية كبيرة "أنت بحاجة لها" ستنعكس على ثقتك بنفسك.
أخيراً: أنا متأكدة أن لديك من الطموحات المهنية والأهداف الخاصة بك التي تتمنين أن تحققيها وتعيشيها، وإن معاناتك تُعيقك وتحرمك من أن تعيشي حياتك كما ترغبين وكما تستحقين، حيث إن أداؤك عموما في مجالات الحياة هو أقل بكثير من قدراتك ومهاراتك الحقيقية، وهذا يعود إلى ضعف ثقتك بنفسك، لذا أتمنى منك عزيزتي أن لا تسمحي للموضوع أن يأخذ من طاقتك وتميزك أكثر، وأن تبدئي بالخطوات الجدية لعلاج مشكلتك، ولا تنسي أن هذه المشكلة هي مُكتسبة وبالتالي علاجها ممكن جداً ويتوقف على رغبة الإنسان وإرادته.
ختاماً: أتمنى أن أكونَ قد أفدتُكِ بإجابتي، ولا تترددي في مراسلتنا مُجدداً في أي وقت تشائين، وبانتظار الاطمئنان عنكِ والتواصل قريباً.
دمْتِ بحفظ الله.