هل البحث عن ردود للشبهات حول الإسلام من الوسواس القهري؟
2021-01-19 04:44:08 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم..
أود أن أطرح قصتي:
وهي أنني قبل سنتين، تقريبا في عمر المراهقة16 عاما، كان في صفي بالمدرسة شخص ملحد، وحينها كانت تدور في الصف نقاشات حول الإلحاد، وشبهات حول الإسلام، وما إلى ذلك، طبعا تأثرت من هذا الأمر كثيرا، وبدأت أبحث في مجال الشبهات.
كنت أبحث بشكل رهيب، بحيث كان أحيانا عدة أسئلة تدور في رأسي بنفس الوقت، وكنت أسأل العديد من الأشخاص حول هذه الأسئلة والشبهات التي تتعلق بالإسلام.
وكنت ما أن أنهي شبهة إلا رأيت غيرها في موقع ما مثلا، وانشغلت بها.
هنالك بعض الأسئلة التي وصلت لإجابة لها، وأخرى لم أقتنع بالإجابة؛ لأنني توقفت عن البحث والتي كانت تتعلق غالبها بشبهات حول الإسلام نفسه، وليس عن الإلحاد، بحيث تخلصت تقريبا من جميع الأسئلة عن الإلحاد -والحمد لله- وكانت جميع هذه الأسئلة والشبهات، شبهات حقيقية وليست غير منطقية كما في حالة الوسواس القهري.
حتى راسلني أحد الأشخاص القائمين على موقع لرد الشبهات في الانترنت أن حالتي تدعى بالوسواس القهري، وأنه يجب علي الخضوع للعلاج، وحينها توقفت عن البحث لمدة سنة تقريبا، ومن ثم ذهبت لمختصة نفسية أخبرتني أنه من الطبيعي في جيل المراهقة أن يكون الشخص باحثا عن هويته، وبالذات أنا؛ لأنني أحب البحث في أصول المواضيع المختلفة في الحياة؛ ولأنني من عائلة متدينة، وأصلي وأصوم، فكان من الصعب علي فعلا أن تدور بذهني كل تلك الشبهات، ولا أبحث عن جواب لها، وأنه ليس للأمر أي علاقة بالوسواس القهري في جيلي.
فهل حالتي هي وسواس قهري أم ماذا؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ لين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الوسواس القهري لا يكون على هذا النحو، ما كنتِ عليه يا ابنتي هو حالة من "البحث العقلاني" عن الحقيقة، وفي موضوع الوجود تحديداً سوف تصلين في النهاية إلى التوقف عند مرحلة معينة لا تستطيعين أن تتخطيها؛ لأنه وبكل بساطة لا يوجد جواب.
إن دلالة العقل على وجود الله تعالى واضحة جلية: فلأن هذه المخلوقات سابقها ولاحقها لا بد لها من خالق أوجدها إذ لا يمكن أن توجد نفسها بنفسها، ولا يمكن أن توجد صدفة، لا يمكن أن توجد نفسها بنفسها؛ لأن الشيء لا يخلق نفسه؛ لأنه قبل وجوده معدوم، فكيف يكون خالقًا؟! ولا يمكن أن توجد صدفة؛ لأن كل حادث لا بد له من محدث؛ ولأن وجودها على هذا النظام البديع، والتناسق المتآلف والارتباط الملتحم بين الأسباب ومسبباتها، وبين الكائنات بعضها مع بعض يمنع منعًا باتًا أن يكون وجودها صدفة، إذ الموجود صدفة ليس على نظام في أصل وجوده، فكيف يكون منتظمًا حال بقائه وتطوره؟! وإذا لم يمكن أن توجد هذه المخلوقات نفسها بنفسها، ولا أن توجد صدفة تعين أن يكون لها موجد، وهو الله رب العالمين. وقد ذكر الله تعالى هذا الدليل العقلي والبرهان القطعي في سورة الطور، حيث قال: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: 35]. يعني أنهم لم يخلقوا من غير خالق، ولا هم الذين خلقوا أنفسهم، فتعين أن يكون خالقهم هو الله تبارك وتعالى، ولهذا لما سمع جبير بن مطعم -رضي الله عنه- رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة الطور فبلغ هذه الآيات: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} [الطور: 35- 37]. وكان جبير يومئذٍ مشركًا قال: "كاد قلبي أن يطير، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي" (رواه البخاري).
وأما دلالة الشرع على وجود الله تعالى: فلأن الكتب السماوية كلها تنطق بذلك، وما جاءت به من الأحكام المتضمنة لمصالح الخلق دليل على أنها من رب حكيم عليم بمصالح خلقه، وما جاءت به من الأخبار الكونية التي شهد الواقع بصدقها دليل على أنها من رب قادر على إيجاد ما أخبر به.
وأما أدلة الحس على وجود الله فمن وجهين: الوجه الأول: أننا نسمع ونشاهد من إجابة الداعين، وغوث المكروبين، ما يدل دلالة قاطعة على وجوده تعالى، حيث قال تعالى: {وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ..} [الأنبياء: 76]. وقال تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ..} [الأنفال: 9]. وما زالت إجابة الداعين أمرًا مشهودًا إلى يومنا هذا، لمن صدق اللجوء إلى الله تعالى وأتى بشروط الإجابة.
الوجه الثاني: أن آيات الأنبياء التي تسمى المعجزات ويشاهدها الناس، أو يسمعون بها، برهان قاطع على وجود مرسلهم وهو الله تعالى؛ لأنها أمور خارجة عن نطاق البشر، يجريها الله تعالى تأييدًا لرسله ونصرًا لهم، مثال ذلك: آية موسى عليه السلام حين أمره الله تعالى: {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ} فضربه فانفلق اثنى عشر طريقًا يابسًا، والماء بينهما كالجبال، قال الله تعالى: {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء: 63].
أما الوسواس القهري يا ابنتي، فهو يتسم بنمط من الأفكار والمخاوف غير المرغوب فيها (وساوس) تدفعك إلى القيام بسلوكيات تكرارية (سلوكيات قهرية)، تُعيق هذه الوساوس والسلوكيات القهرية الأنشطة اليومية، وتتسبب في ضيق شديد.
يمكنك محاولة تجاهُل وساوسك أو إيقافها، لكن لن يؤدي هذا سوى إلى زيادة شعورك بالضيق والقلق، في النهاية تشعر بأنك مدفوعة لأداء السلوكيات القهرية في محاولة لتخفيف التوتر، على الرغم من الجهود المبذولة لتجاهل هذه الأفكار أو الدوافع المزعجة أو التخلص منها، فإنك تستمرين في التفكير فيها، يؤدي هذا إلى مزيد من السلوك النمطي، والذي يمثل الحلقة المفرغة لاضطراب الوسواس القهري.
الوساوس الناجمة عن اضطراب الوسواس القهري هي سلوكيات تكرارية تشعر بأنك مدفوع لفعلها، تهدف هذه السلوكيات أو الأفعال العقلية التكرارية إلى تقليل القلق المرتبط بوساوسك أو منع حدوث شيء سيء، ومع ذلك، فإن الانخراط في الوساوس لا يجلب أي متعة، وقد لا يوفر سوى راحةً مؤقتةً من القلق.
وفقك الله لما يحبه ويرضاه.