كيف أتصرف مع شخص طلب مني أن لا أنتظره رغم الحب الذي كان بيننا؟
2021-01-05 02:53:19 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أسأل الله أن تكونوا بخير جميعا، أريد أن أطلب منكم توجيها ونصحا في الحالة التي أمر بها، بارك الله فيكم.
أنا شابة، متدينة -والحمد لله-، ولكن بسبب الظروف وبسبب فقدي لأبي -رحمه الله- أصبحت أشعر بالضعف والوحدة، وفي ظل حاجتي لشخص يحبني ويمنحني الشعور بالأمان، تعرفت على شخص بغرض الزواج، هذا الشخص كان متزوجا وأبا لأولاد، في بداية العلاقة قال: إنه لا يوجد أي شيء يربطه بزوجته سوى الأولاد، وإنه سيطلقها، لأنه لا يستطيع أن يكمل حياته معها؛ لأنها لا تحترمه، وتبعده عن دينه والتزامه، فسأل كبار العلماء فأجازوا له الطلاق، أخبرني أنه يريد الزواج مني، وأنه طالما أراد زوجة متدينة، وأنه لن يتخلى عني، وأنا أيضا تعلقت به وصدقت كلامه، رغم علمي أنها علاقة محرمة، لكن كنت أقول إنه سيتقدم لي، فكنت أصبر.
في الآونة الأخيرة أصبح يقول: إنه لن يستطيع ترك أولاده، وإنه مشوش، ولا يعرف ماذا يفعل، وإلى أين يذهب؟ فسألته إذا ما زال يحبها فقال: ربما، أنا لا أعرف عقلي يقول لا، ولكن عندما أهم بالرحيل لا أستطيع، هنا أصبت بالصدمة، وبالخذلان، وانهارت كل أحلامي، وبعد أخذ ورد قال لي: لا تنتظريني، ولا تتصلي بي، عندما أكون مستعدا سأتقدم لك إذا لم تكوني قد تزوجت بعد، وإنه الآن غير مستعد، وكانت هذه آخر رسالة منه.
أنا الآن أمر بوقت عصيب، كيف أصبر وقد كان حلمي وأملي، وكيف أنساه؟ هل يجوز هذا التصرف من شاب ملتزم يوهم فتاة بأشياء جميلة وهي تصدقه بسبب ظروفها وحاجتها للأمل؟ ثم يدير ظهره بعد أن كسر قلبها؟
جزاكم الله كل خير.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم سليمان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلاً ومرحباً بك عزيزتي، الحب نعمة أنعم الله بها علينا، والله يقذفها في قلب من يُحب بغية الوصول إلى زواج شرعي، فالله جعله بين الذكر والأنثى سبًبا لعمارة الكون ولاستمرار النسل البشري، وهذا الحب الذي لا دخل للإنسان فيه، يحصل بين الجنسين حين ينجذب القلب نحو المحبوب بصورة غير إرادية، ولكن بالمقابل حرم الشرع الحب بين الجنسين الذي يكون طابعه مختارًا، وتنطلق فيه الجوارح للعنان من كلام غزل ولقاءات ومراسلات عبر مواقع التواصل الاجتماعي وما شابهها؛ فهذا الحب الذي بسببه نفقد ثقتنا بأنفسنا، ونخسر رضى الله -عز وجل- علينا، ونقضي أوقاتنا في هم وغم ونكد، دون أن ندري أن هذا بسبب معصية الخالق، وهذه هي حالتك غاليتي ، فأنت على علاقة برجل منذ مدة، ولو كانت هذه العلاقات تُسعد القلوب لكنت أنت سعيدة، ولم تحتاجي إلى استشارتنا.
نحن نتزوج من أجل أن نصل إلى الراحة النفسية وليس العكس، وألا نعيش بقلق وتوتر، مما يؤثر على صحتك وأعصابك، وهذا يفتح بابًا للأمراض النفسية والجسدية أن تحوم حولك وتفتك بصحة فتاة شابة، والتي يجب أن تنظر إلى الحياة بنظرة زهرية اللون، وإيجابية، وراضية، ومؤمنة بكل ما قدر الله لها.
كما أن الزواج من رجل متزوج يحتاج إلى صبر وحكمة في التعامل، فهو كما قال لك: يشعر الآن أنه مشتت، ويحاول التوفيق بين اهتماماته لبيته وأولاده والرجوع لزوجته الأولى، وأرى أن عودته إلى بيته وأولاده هو الحل الأنسب، وكل ما عليك أن تدعي لهم بالخير والتوفيق رغم مرارة ما تشعرين به.
ورداً على سؤالك "هل يجوز هذا التصرف من شاب ملتزم يوهم فتاة بأشياء جميلة وهي تصدقه بسبب ظروفها وحاجتها للأمل ثم يدير ظهره بعد أن كسر قلبها ؟" أقول لك: من المؤكد لا يجوز هذا التصرف، كما لا يجوز التمادي معه بالحديث وفتح المجال أمامه مهما كانت الظروف التي تمر بها الفتاة، فكل ما يخالف الشرع ويغضب الخالق لا عذر فيه وله.
ولكل هذا عزيزتي أتمنى عليك أن تأخذي بهذه النصائح من أجل المحافظة على عفة النفس التي أكرم الله عليك بها:
- أن تتوقفي عن التفكير أو التحدث مع هذا الرجل، واقطعي صلتك به فإنه لا يستحق الاهتمام به ولا تقبلي إلا بمن يطرق الأبواب، وأتمنى أن تستفيدي من التجربة، واعلمي أن المؤمنة لا تلدغ من الجحر الواحد مرتين، وهذا القرار هو لصالحك، وأنا أعلم أن هذا القرار بالنسبة لك صعب، لأنك اعتدت على مقابلته والحديث معه، والآن جاء وقت الحسم، فالإسلام لم ير للمتحابين مثل النكاح.
- ما تشعرين به من (كسر قلب) شعور طبيعي وخاصة عندما يتعرض الإنسان للخذلان من شخص يحبه ويثق به، وكأن كل ما بناه الإنسان وبذل الجهد لأجله قد هُدم فجأة، فألم الخذلان لا يقتصر على البعد النفسي، بل يمتد إلى الحياة الاجتماعية، وكأن هذا يحط من شأنه أمام الناس، ولكن يجب أن تزيد من رصيد خبرته، وتجعله يُحسن الظن والاختيار في المرات القادمة وتمنحه عبرة ودرساً يُنير بصيرته ليرى الواقع بطريقة منطقية أكثر.
- ابحثي عن مواطن القوة لديك وطوريها، ولا تستوقفي بالحياة عند علاقتك بهذا الرجل الذي أخذ وقتاً من عمرك بالتفكير فيه دون راحة نفسية وقلبية، فوجهي قلبك وحبك نحو الذي فطر السموات والأرض والبحر والجبال، وأنعم عليك بنعمة الصحة والعقل السليم، فلا تقصري في العبادات من صلاة وصوم ودعاء واستغفار.
- أشغلي روحك وفكرك بزيادة برّ والديك بعد الممات بصدقة جارية، وصلة أرحامك، واهتمامك بإخوتك؛ فهذه الأعمال تغذي النفس بما فيها من منفعة لك ولغيرك.
- الزواج كأي نعمة يعطي الله الإنسان إياها، وقد يحرمه منها، والحل يكون بالصبر والرضا بما كتب الله، وليس الحل البحث عن طرق حرمها عليه، مثلا الفقير لو لم يجد مالاً هل يذهب لطريق الحرام من السرقة وغيرها؟ الجواب لا، فهذا ابتلاء يبتلي الله عباده لينظر ماذا يصنعون؟ هل يصبرون ويبدل الله صبرهم جنة عرضها السماوات والأرض؟ أم يسقطون في الامتحان ويذهبون لما حرمه عليهم؟ إذن الموضوع يحتاج لفطنة لمعرفة لماذا يقدر الله علينا بعض الأشياء التي تتعبنا؟ فالمؤمن يعلم أنه ابتلاء فيصبر، والمنافق يتسخط ويعارض أقدار الله، فلا هو الذي خرج من مشكلته، ولا هو الذي كسب أجر الصبر، فتأملي حكمة الله حولك، وستصلين لمقصده سبحانه.
وأخيرًا: اعلمي أن القلب المليء بالإيمان لا يقنط من رحمة الباري، واعلمي أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف.
أسأل الله لك راحة البال والسكينة، وأن يرزقك الزوج الصالح الذي يعي قدرك ويسعد قلبك.