أعاني من الحياء الشديد حتى أني لا أستطيع المطالبة بحقوقي.

2021-01-10 03:29:17 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم..

أخاف كثيرا من الاختلاط مع الناس في العمل نتيجة هضم حقوقي؛ لأنني وبكل أسف لا أستطيع المطالبه به، وهذه مشكله أكرهها في نفسي دائما أخاف أن أطلب حقي حياء مني، أو أشعر حينها بنوع من الكبر أن أطلب شيئا كهذا، وهذه عادة سيئة لا أعرف كيف أتخلص منها، واستسلمت لجلوسي في المنزل، وعدم الشغل مع أناس.

أيضا زاد الأمر بي أن تعرضت لموقف مقابلة لعريس، وللأسف أهانني خلال المقابلة معه عندما انسحب الأهل لكي نتحدث سويا، قال لي باللفظ أنت بجحة! وألزمتني الصدمةُ الصمتَ بحياء، مع التفكير كيف أرد عليه، وأنا أرقي من أن أتدنى بالألفاظ خارج أخلاقي وتربيتي، أيضا انتقد ملبسي وأسناني، وأنا ألتزم الصمت وعدم القدرة على أخذ حقي، فقط رد فعلي الهدوء والابتسامة، وبعد المقابلة أيضا التزمت الابتسامة، مع أنني بداخلي بركان يغلي، وعند سؤالهم عن نتيجة المقابلة ابتسمت فقط، ولم أبح بكلمة إلا بعد المقابلة بيومين بانهيار تام، وضيق حتى الآن، وهم ينتقدون سكوتي، وعدم ردي.

أسأل نفسي: لماذا أنا كذلك؟ لا أستطيع أخذ حقي بنفسي، وألتزم الهدوء، وعدم التعبير عن الضيق، أتمنى تغير هذا السلوك، هل أعتزل أيضا مقابلات العرسان والزواج مثل اعتزالي عن العمل؟

أرجو مساعدتي، بارك الله لكم.


الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة: هناء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد.

أهلاً بك عزيزتي، ونشكر ثقتك بنا.

دعينا نفهم أسباب ما يحدث معك وما تعانين منه من (عدم قدرة على الرد على إهانة الآخرين، وعدم مقدرتك على أخذ حقك) حيث تعود سماتنا وسلوكياتنا إلى نمط شخصيتنا، ويتكون نمط شخصيتنا بناء على خبرات الإنسان التراكمية وخاصة في مرحلة الطفولة.

أنا أرى أن شخصيتك هي النمط التجنبي بناء على خبرات طفولتك، فأنت بالرغم من أنك لم تخبرينا عن طفولتك، ولكن بإمكاني تخمين أنك كنت في الطفولة تفتقرين إلى جرعات اجتماعية، سواء كمية أو نوعية، وهذا لعب دوره في ضعف ثقتك بنفسك وتجنبك لمواجهة الآخرين حتى لو كنت على حق.

عندما يكبر الإنسان تلعب خبراته الحياتية اللاحقة في تعزيز نمط شخصيته أو التغيير من سماتها، ولكن في حالتكِ، الذي زاد الأمر سوءاً أو كما يُقال (زاد الطين بلّة) هو استسلامك للجلوس في المنزل وعدم العمل مع الناس، فالوحدة هي سبب كل آفة نفسية برأيي، حيث إن الوحدة حينما تترافق مع مشاعر سلبية وانخفاض لتقدير الذات، فهي تعني لا خبرات ولا تجارب، لا تطوير من الشخصية، والمشكلة حينما يترافق ذلك أيضاً مع تركيز الإنسان في تفكيره على الأفكار السلبية التي بداخله والجانب السلبي من شخصيته وحياته، وكل هذا مع العزلة يضعف من ثقة الإنسان بنفسه ومهاراته الحياتية والاجتماعية، ويُزيد من الفجوة بين عالمه الخاص وبين الواقع وعالمه الخارجي، وبالتالي تزداد رغبته بعدم مواجهة العالم والناس من حوله.

وهذا يعتبر جواباً لسؤالك حول: (هل أعتزل مقابلة العرسان والزواج مثل اعتزالي العمل؟) بالتأكيد لا، فتخيلي معي أنك انعزلت عنهم فعلاً، هذا يعني أنك تحاولين الانعزال عن الحياة نفسها، وعواقب هذا عليكِ بلا شك أكبر وأكبر، لذا أتمنى منك إن كنت فعلاً تريدين التغيير من الحالة التي أنت بها، أن تنخرطي بالحياة ومجالاتها المختلفة، قد تكون البداية صعبة عليك، وهذا طبيعي وخاصة بعد فترة الانعزال والسكون الاجتماعي التي عشتها، لذلك أهم خطوة في تخلصك مما أنت عليه، هي تعرضك للخبرات الحياتية السلبية منها والايجابية، وحتى التجارب السلبية منها اعتبريها مثل اللقاح الذي سيؤلمك حينها، ولكنه سيجعلك أكثر قوة في كيفية مواجهتك للمواقف المشابهة التي قد تتعرضين لها فيما بعد.

من الأمور النافعة لك في علاج مشكلتك هي:

- العلاج المعرفي السلوكي: وهو علاج نفسي لا يقوم على الدواء، هذا العلاج يؤمن أن أفكارنا الداخلية هي من تحرك مشاعرنا وسلوكياتنا، وبالتالي تهدف إلى معرفة الإنسان وإدراكه لأفكاره السلبية المسيطرة على ذهنه وخاصة في المواقف الضاغطة عليه، ومن ثم تعمل على علاج تلك الأفكار السلبية وإبطال تأثيرها من خلال مناقشتها في الجلسات مع صاحب الحالة وإحلال محلها أفكار أخرى تكون أكثر صحة وإيجابية، وهي بدورها ستبدأ بالتأثير على صاحبها بمشاعره وأفكاره، مما سينعكس ذلك إيجابياً على نمط حياته وخبراته الجديدة.

أي: مراقبتك للأفكار السلبية التي تترافق مع المواقف الاجتماعية الضاغطة عليك والمزعجة لك، ومن ثم العمل على تعديلها، هي أهم خطوة في العلاج.

- هذا النوع من العلاج قد أصبح متوفراً كخدمات أونلاين، بإمكانك البحث عبر الانترنت عن معالج ممارس ومتمكن للبدء معه بأقرب فرصة، وهذا النوع من العلاج قد أثبت فاعليته الكبيرة في أغلب الحالات التي تعاني من القلق والمخاوف والاكتئاب، لذا أنصحك به بشدة.

- الانخراط المكثف في الحياة الاجتماعية من حولك، وابدئي بأبسط المواقف وأسهلها عليك، فالانخراط هو أول وأهم خطوة, بدون هذه الخطوة لا تستطيعين إنعاش نفسيتك من جديد، فالدخول في أية خبرات حياتية وتجارب اجتماعية, ستغني شخصيتك, وتكرار تعرضك لها سيضمن لك حدوث تغيرات كبيرة على مستوى أفكارك وشخصيتك ونفسيتك، أعلم أن تطبيق هذه الخطوة ليست بالسهلة، ولكن يجب أن ترغمي نفسك عليها قدر المستطاع بشكل تدريجي.

- من الخطوات الهامة لك، حضورك لدورات تنمية الذات سواء على أرض الواقع أو عبر الانترنت، أو متابعتك لفيديوهات من مختصين نفسيين أو مدربي مهارات الحياة، كل هذا سينفعك في تزودك بالمعلومات الهامة في حالتك، وأيضا هناك تدريبات للجسد على أعراض الثقة بالنفس والقوة، ستنفعك كثيراً إن قمت بتدريب نفسك عليها، والأعراض الجسدية للثقة ستنعكس إيجاباً على الأعراض النفسية للثقة (هذه الاستراتيجية يعتمدون عليها في التمثيل وكيفية إقناع الممثل للجمهور حول نمط شخصيته).

- بإمكانك مشاهدة إحدى الشخصيات في مسلسل ما، تأخذ دور الشخصية القوية والتي تعرف كيف تأخذ حقها بأسلوب قوي ولبق, وحاولي أن تحفظي ردودها, ومن ثم قومي بتمثيل أنت الموقف مع نفسك أمام المرآة لعدة مرات, ومن ثم صوري نفسك بالكاميرا, وشاهدي نفسك (سواء بالمرآة أو بالموبايل), وراقبي تفاعل جسمك وطريقة كلامك ونظرات عيونك وطريقة وقوفك وكل تفاصيل لغة الجسد, حيث يفيد ذلك مع تكراره في تعزيز ثقتك بنفسك, وشعورك وكأنك تقمصت دور الفتاة القوية, وهذا يسهّل عليك تطبيق ما تدرّبت عليه في حياتك الواقعية عندما تتعرضين للمواقف المشابهة.

ختاماً: تذكّري أن رحلة التغيير في السمات الشخصية للإنسان نحو الأفضل هي رحلة طويلة ومستمرة طيلة حياة الإنسان, وتحتاج إلى الصبر والإرادة والدعم من الدائرة المُقرّبة لك, وفي حال عدم توفر شخص مقرب لك يدعمك ويساندك خلال رحلتك, نحن جاهزون لتقديم ذلك الدعم في أي وقت تشائين, لذا لا تترددي في مُراسلتنا مجدداً عندما ترغبين.

أتمنى أن تكوني قد استفدت من ردي لكِ، برعاية الله.

www.islamweb.net