تقدم بي العمر دون أن أحقق شيئا!
2020-12-28 00:29:10 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
عمري 32 سنة، درست حتى تحصلت على شهادة جامعية، وظننت أن الحياة ستكون جميلة وسعيدة مثلما تخيلت، لكني صدمت بواقع مرير!
بحثت كثيرا عن عمل لكن دون جدوى. عند أبي (ضيعة صغيرة) قررت العمل فيها لكن المردود كان ضعيفا جدا -والحمد لله- كنت أمني النفس وأدعو الله أن تتحسن ظروفي المادية لكن سنة وراء سنة كانت الأمور في تدهور.
عاطفيا مررت ببعض التجارب لكن كنت دائما أؤجل كل شيء حتى أحقق استقرارا ماديا، فجأة وبعد عشرة سنوات اكتشفت أن العمر تقدم بي ولم أحقق شيئا! الحياة أصبحت صعبة جدا جدا، تكاليف البناء مشقة والزواج أيضا.
مؤخرا تم تشخيصي بمرض مزمن جعلني بدنيا غير قادر على العمل مما صعب الأمور أكثر. صرت حبيس البيت منعزلا ولا أقدر على مواجهة المجتمع، وأصبح كل تفكيري في مدى صعوبة الحياة وكيف أواجهها!
تدهورت صحتي بصفة ملحوظة، وأتعبت من حولي خاصة والدي، أعلم أن الأرزاق بيد الله، لكني صرت مكبلا من كثرة خوفي ومرضي!
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في الشبكة الإسلامية، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.
أولاً نبارك لك الحصول على الشهادة الجامعية، وهذا في حدِّ ذاته إنجاز كبير لا يُنجزه الكثير من الناس.
ثانيًا: الإحباطات التي تأتي لكثير من الشباب بعد التخرُّج ظاهرة ملاحظة ومعروف؛ لأن الإنسان يكون لديه آمال وطموحات، وكما تفضلت يأتي ويصطدم بجدار الواقع، ففرص العمل قد تكون غير متاحة، وتكون ضيِّقة في بعض البلدان، خاصة على نطاق العالَم العربي، وكما تفضلت هواجس الحياة حول الزواج وحول السكن، أمورٌ معروفة ويعيشها الكثير من شبابنا.
هذا لا يعني أبدًا –أيها الفاضل الكريم– أن تتوقف طاقات الطموح لديك، لا، أصلاً الحياة هكذا، الحياة دورات، والحياة فرص، والحياة إخفاقات، والحياة نجاحات، والإنسان إذا حاول حلولا وفشلتْ هذا لا يعني أن المشكلة ليس لها حلّ، لا، لديها حل، ويجب أن يُجرِّب ويُجرِّب ويُجَرِّب، حتى يصل إلى الحل؛ فهذا هو المنهج الصحيح –أيها الفاضل الكريم– ويمكنك التشاور مع والدك.
أنت قد ذكرت أنك قد أُصبتَ بمرض مزمن؛ فلو أخطرتنا بطبيعته قد نوجِّهك بصورة أفضل، لكن الأمل والرجاء لا بد أن يكون موجودًا، وقوّة الحاضر دائمًا أفضل من ضعف الماضي.
فأنا أعتقد أنك يجب ألَّا تتوقف أبدًا عن محاولاتك لإيجاد العمل، وأن تعيش الحياة بأملٍ ورجاءٍ. هذه هي السُّبل المتاحة –أيها الفاضل الكريم– وحاول بقدر المستطاع أن تفكّر في دراسات عُليا، وأن تفكّر في أشياء كثيرة أخرى، وهذا كلُّه ممكن حصوله وممكن تحقيقه، والعمل حتى إن كان عملاً بسيطًا، وكان العائد منه ضعيفًا فالفرص تأتي، والإنسان يتطور.
هنالك أشياء كثيرة جدًّا يمكنك أن تقوم بها حقيقة لتساعد نفسك من أجل إدارة الوقت، لأن سوء إدارة الوقت من أكبر المشاكل، فحاول أن تمارس الرياضة، حاول أن تقرأ، أن تدخل في مشروع لحفظ بعض أجزاء القرآن، وتكون بارًّا بوالديك مهما كانت الظروف.
إذًا لا تُدخل نفسك في نفق واحد في الحياة، الحياة فيها أنفاق كثيرة جدًّا، بعضها تفيد الإنسان جدًّا، وبعضها تقود الإنسان إلى الإخفاق، فأرجو أن تتخيّر الآفاق والأنفاق الإيجابية في الحياة. لا تيأس ولا تستسلم أبدًا.
ثم اعلم أخي الكريم أن مما يثبتك في هذه الحياة هو دوام صلتك بالله والقرب منه، ومعرفة أن هذه الدنيا دار ابتلاء وكدر، وأن الله يبتلي عباده ليرفع درجتهم، ويسمع لجوءهم وتضرعهم وإقبالهم فيعوضهم خيرا بصبرهم وثباتهم، فكن حسن الصلة بالله، من خلال الحرص على ما يحبه الله من فرائض ونوافل، وتدبر كلامه سبحانه، والقراءة في أحوال المبتلين من الأنبياء وهم أفضل خلق الله، فبعضهم سنوات وهو يعاني من المرض، وبعضهم ابيضت عيناه من الحزن وهو كظيم.. تأمل هذه الأحوال لتعرف قدر هذه الدنيا، وأنها دار امتحان، وأن أفضل خلق الله ابتلوا وصبر؛ وستجد الراحة والطمأنينة والسكون والهدوء.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.