الناس يرونني ناجحًا ويلجؤون إليّ، وأنا لا أرى نفسي كذلك!
2020-12-02 22:09:35 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
أنا متزوج، وعندي ٤ أولاد كبار، والحمد لله، وأحب زوجتي وأبنائي، وبفضل الله كلهم مؤدبون وبارون ويحبونني وأمهم جداً، ومع ذلك أعاني على فترات من إحساس بالوحدة والاكتئاب، وشعوري بعدم قيامي بعمل نافع.
أعاني من خوفي من المشاكل، وأتجنبها جداً، وقد يضيع حقي بسبب هذا الخوف أو الجبن، وفي أحيان أخرى أكون شجاعاً جداً.
يقولون: إنني ناجح في عملي، ويقولون: سواء في البيت أو العمل أو الزملاء أن شخصيتي قوية، وأنني أحسن التفكير، ودائماً ما يلجأ الزملاء إلي في مشاكلهم، وأنا لا أشعر بذلك.
أنا -والحمد لله- ملتزم، وتعلمت على يد العلماء علوماً شرعية، عقيدة وفقهاً وأصول فقه، وسيرة، ولا أشعر أنني أعرف شيئاً، فما هذه الحالة؟ وهل لها من علاج؟
وجزاكم الله خيراً.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو محمود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحباً بك -أخي الكريم- ورداً على استشارتك أقول:
تماسك الأسرة واحترام بعضهم لبعض، وقيام كل فرد بواجباته، من أجل نعم الله تعالى، لأن أي أسرة تكون بهذه المثابة تعيش بسعادة وهدوء.
الخوف من المشاكل مسألة طبيعية عند من يميل إلى الهدوء والمسالمة، وهي تدل على إحساسك بمشاعر الناس، فلا تريد أن تكدر صفو حياة أي أحد، ولا تريد أحداً أن يكدر حياتك، ولذلك يكون من آثار ذلك أنك تقدم الهدوء على بعض الحقوق، فقد تتنازل عن بعض حقوقك.
الحياء خير كله، كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام، حين سمع رجلاً يعظ أخاه في الحياء، ويقول ذهب الناس بحقوقك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (دعه فإن الحياء خير كله).
يبدو أن عندك ضعفاً في إحساس نعمة الله عليك، ولذلك لا تشعر بما يصفك به الناس، فالناس يرون منك ما لا تراه من نفسك، والناس شهداء الله في الأرض، فمن أثنوا عليه خيراً فهو كذلك ومن أثنوا عليه شراً فهو كذلك.
يبدو أن عندك نوعاً من الوسواس أدى إلى حدوث الاكتئاب، فكونك تعمل الكثير من الأعمال الصالحة والنافعة ثم تشعر أنك لم تعمل عملاً نافعاً هذا من الوسواس الذي يريد أن يفسد عليك حياتك، فأنت عندك علم شرعي، وتقيم الصلاة، وأسرتك مستقرة بسبب حسن التربية، ويلجأ إليك الناس في حل بعض مشاكلهم لكون تفكيرك جيداً، وبعد هذا تقول: إنك تشعر أنك لم تعمل عملاً نافعاً!
عليك أن تحتقر هذه الوساوس فور ورودها لذهنك، وتقطعها ولا تحاورها أو تسترسل معها، واستعذ بالله من الشيطان الرجيم.
يجب ألا تجلس وحدك، لأن ذلك هو ما يريده منك الشيطان الرجيم، لينفرد بك فيورد عليك الوساوس والأفكار السلبية، فاجلس مع أسرتك وزملائك وفي المجلس لتتبادل مع من تجلس منهم أطراف الحديث، وتحكي لهم القصص المفيدة أو تقرأ عليهم كتاباً في الآداب، وحبذا لو تقرأ معهم من كتاب رياض الصالحين.
أوصيك بالمحافظة على أذكار اليوم والليلة، ففي ذلك حصن حصين لك من شر كل ذي شر.
أكثر من تلاوة القرآن الكريم واستماعه، ففي ذلك طمأنينة لقلبك كما قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).
الزم الاستغفار وأكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).
تضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد وتحين أوقات الإجابة وسل ربك أن يذهب عنك وساوس الشيطان الرجيم وأكثر من دعاء ذي النون: (لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَاْنَكَ إِنِّيْ كُنْتُ مِنَ الْظَّاْلِمِيْنَ) فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ).
اجتهد في تقوية إيمانك من خلال كثرة العمل الصالح فذلك من أسباب جلب الحياة الطيبة يقول تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
ارق نفسك صباحاً ومساءً بما تيسر من القرآن والأدعية المأثورة، فالرقية نافعة مما نزل ومما لم ينزل.
نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق، وأن يصرف عنا وعنك الشيطان ووساوسه، إنه سميع مجيب.