لا أثق برأيي وأعاني من الشك وكثرة التفكير.. ما نصيحتكم؟
2020-11-26 03:22:05 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
أنا طالبة، عمري 18 سنة، أعاني منذ 7 سنوات من التفكير المفرط، والشك في أنني على الطريق الصواب أم لا، حتى لا أكون على خطأ، وأُعذب في النار وأندم ندماً شديدا، كنت أبحث في الديان وعلمت تماما أن الدين الإسلامي هو الدين الصواب، ولكنني مع ذلك دائما ما تراودني أفكار، وهي أن تفكيري كان على خطأ فأنتكس، وأعود مرة أخرى وبفكرة جديدة وأظل أستغرق في التفكير لرد هذه الفكرة، وهذا الأمر يضايقني لأنه يعطلني عن السعادة في مسيرة حياتي والمذاكرة وهواياتي المفضلة كالرسم والقراءة.
مع العلم أني قبل دخولي في دوامة الوسوسة كنت أعاني من عدم الثقة في نفسي، وفي زيي، وفي آرائي، ولا أتحدث مع أحد إلا أقرب الأصدقاء وأهلي، وما زلت أعاني من هذا الأمر، عندما أرى أي شخص يفوز في مسابقة أو يحصل على درجات أعلى مني أشعر أنني فاشلة؛ لأنني لم أحقق هذا الفوز، وإذا فزت أنا أشعر بأنها كانت مسابقة تافهة وأنني لا أستحق التقدير.
دائما أحب المثالية في الأزياء، وفي الشخصية، وفي معدلي الدراسي، وأنا الحمد لله بشكل عام معدلي الدراسي، وذكائي جيد، ودائما ما أكون من أوائل المدرسة، وأحب البحث والمذاكرة، وقاربت على حفظ القرآن الكريم (في خواتيم سورة البقرة).
الآن أنا في مشكلة، وهي عدم قدرتي على الاختيار ما إذا كنت أريد دخول كلية الطب، أو طب الأسنان، لأنني إذا دخلت الطب فإن التفكير سيعيقني عن نجاحي ولن أستطيع المذاكرة إلا إذا فكرت، وإذا استغرقت في التفكير ضيعت ساعات كثيرة مطلوبة للمذاكرة.
أتمنى منكم أن تساعدوني، وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نور الهدى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
ابنتي العزيزة: بالنسبة للشك في الدين الإسلامي، ففي مثل حالتك عليك أن تقرئي عن الدين الإسلامي بعقلانية، والتثبت من ذلك بالقرآن الكريم والسنة الشريفة، وليس فقط بالاعتماد على الجانب الروحي والميل العاطفي؛ لأن الاقتناع والمنطق هما اللذان يعززان فيك القناعة والتسليم، ومن الأدلة على أن دين الإسلام هو دين الحق، عدم "مصادمة" عقائده وتشريعاته للفطرة والعقل، فما من خير يدل عليه العقل إلا والإسلام يحث عليه ويأمر به، وما من شر تأنفه الطباع وينفيه العقل إلا والإسلام ينهانا عنه.
والعبد الذي على الحق يأتيه الشيطان ليزعزع إيمانه وليشككه في إيمانه، فعليك أن تقطعي على هذا اللعين حبائله وتفطني إلى مكائده فقد قطع على نفسه وعداً ببذل كل ما أوتي من جهد في سبيل إغواء العباد، قال تعالى حاكياً عنه: (لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) {الأعراف:16-17}،
ومن الأدلة العقلية والمثبتة على أن الدين عند الله هو الإسلام.
- أرسل الله رسله جميعاً بالإسلام، فأمروا قومهم أن يوحدوا الله ولا يشركوا به شيئاً، وأن يكفروا بما عداه من المعبودات الباطلة، قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ) {النحل:36}، فدين الأنبياء واحد، قال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) {آل عمران:19}
- حفظ الله القرآن عن التغيير والتبديل، قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) {الحجر:9}، فلحفظ الله له لم يتبدل منه حرف على مرور القرون.
- ومن الأدلة على أن الإسلام هو الدين الحق –العقيدة الصافية، فالله وحده هو المتصرف في الكون، لا شريك له في الخلق والرزق، ولا يدبر معه الأمر أحد، ولا يستحق أحد من دونه أن يعبد، كما أنه موصوف بكل كمال ومنزه عن كل نقص.
- ومن الأدلة على أن الإسلام هو دين الحق: شرائعه الواقعية، فهو يبيح الزواج بالنساء، ويرغب فيه، ولا يأمر بالرهبنة والتبتل، لكنه يحرم الزنا، والإسلام يبيح المعاملات بين الناس ولكنه يحرم الربا، ويبيح جمع المال من حله ولكنه يوجب الزكاة للفقراء، ويبيح الطعام ويستثني الميتة ولحم الخنزير ونحوهما، وغير ذلك من الشرائع الواقعية التي تناسب حاجات البشر ولا تضيق عليهم.
- ومن الأدلة أيضاً على أن الإسلام هو دين الحق –إعجاز القرآن– فهو مع احتوائه على أكثر من ستة آلاف آية، ومع طرقه لموضوعات متعددة، فإنك لا تجد في عباراته اختلافاً بين بعضها البعض، كما لا تجد معنى من معانيه يعارض معنى، ولا حكماً ينقض حكماً، قال تعالى: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا) {النساء:82}
- بالنسبة لضعف الثقة بالنفس من أكثر العوامل التي تؤدي إلى زيادة الثقة بالنفس هو النجاح العلمي أو العملي، وللأهم من ذلك، أن يحترم الإنسان نفسه ويقدرها لأنها نجحت، ولا يمر عن أحداث النجاح والتفوق على أنها أحداث عابرة وروتينية، لا، فهذا خطأ، فالتفس تحتاج التعزيز والشكر، فهذا يزيد من "مفهوم الذات" عن الشخص مما يجعله أكثر احتراماً واعتزازاً بذاته، وهذا بالتالي سوف يجعله شخصية صلبة ذات إرادة قوية تواجه العديد من الصعوبات والمعيقات وتتغلب عليها بفعل ما فيها من ثقة وثبات وإصرار على التميز وعدم الرضا بالفشل والانتكاس.
- الشعور بضعف الثقة بالذات يظهر في مواقف اجتماعية أو عندما يشرع الشخص بعمل معين أو أداء مهارة ما، لذا، حددي جميع المواقف التي تشعرين فيها بالفشل وعدم الثقة بالإنجاز، واكتبيها، وكل ما كتبت موقفا ضعي مبرراتك وأسبابك أنت لماذا شعرتِ بعدم الثقة والفشل، وبعد أن تنتهي من حصر المبررات لكل موقف اقرئيها بعناية، وانظري هل المبررات تستحق هذا الشعور بانتقاص الذات حسب الموقف ؟! وكلما كتبت أكثر سوف تصبحين أكثر وعياً وعقلانية على الأسباب، وبالتدريج سوف يقل عندك مستوى ضعف الثقة ويرتفع لديك "مفهوم الذات"؛ لأنك كلما واجهت موقفا يُشعرك بعدم الثقة سوف تضعين مبرراً لذلك، وسرعان ما تتحررين من هذا الشعور بعد تكرار ذلك في أكثر من موقف.
- بالنسبة للاختيار بين طب بشري، أم طب الأسنان، كلا التخصصين يحتاجان إلى مذاكرة، وإذا كنتِ تخافين من أن يلاحقك التفكير المتواصل في الطب، فهو سيكون معك أيضاً في طب الأسنان، إلا إذا تخلصتِ من إحساسك بالفشل في كل خطوة، واتبعتِ الخطوات التالية:
- قدراتك العقلية والتحصيلية وميولك كلها عناصر تحدد أي تخصص تدرسين، فالمقارنة بين التخصصات لا تتم بالقول أني محتارة؛ لأن الاختيار الغير قائم على معرفة وإحاطة بتفاصيل كل تخصص هو اختيار خاطئ.
- اسألي خريجي كلا الكليتين الطب وطب الأسنان، عن مواد التخصص من حيث سهولتها وصعوبتها، وماذا ينتظر الخريج بعد سنوات الدراسة، وما هي المجالات المفتوحة أمامه في كلا التخصصين داخل بلدك وخارجها، فهذا يجعلك أكثر استبصاراً بوضعك الأكاديمي.
- عليك بصلاة الاستخارة فهي سنة، والدعاء فيها يكون بعد السلام كما جاء بذلك الحديث الشريف، وصفتها: أن يصلي الشخص ركعتين مثل بقية صلاة النافلة، يقرأ في كل ركعةٍ فاتحة الكتاب وما تيسر من القرآن، ثم يرفع يديه بعد السلام ويدعو بالدعاء الوارد في ذلك، وهو: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر (ويُسميه .. من دراسة أو سفر) خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شرّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به. رواه الإمام البخاري.
وفقك الله يا أختي لما يحبه ويرضاه.