الشك المستمر وسوء الظن عطلا مسيرة حياتي
2020-11-09 05:36:27 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
أعاني من الشك الدائم منذ الصغر، فإذا تحدث شخصان أو مجموعة أشخاص، أشك أنهم يتكلمون عني ويسخرون مني.
تركت عملي لعدم اندماجي مع الزملاء، ولأني لست اجتماعيا، ولا أتقبل المزاح، فسوء الظن دمر حياتي، أصدقائي محدودون جدا، لا أقيم علاقات صداقة جديدة، وأنفر من الناس، ولا أحضر المناسبات، حتى عرفت بذلك، فأصبح البعض لا يدعوني لمناسبة، وحتى عندما يزورني أحد في منزلي، أكون منقبضا، لا أتبسط مع الناس، ولست عفويا بل متحفظا، لا أزور الجيران ولا الأرحام، منعزل مستوحش، أيامي كئيبة روتينية مملة، متجهم في وجوه البشر.
في الفترة الأخيرة ازدادت عزلتي، وآخر وليمة كانت في بيتي منذ سنتين لضيف عابر، أريد أن أشعر بالأنس والاجتماع مع الناس، وأن أنبسط بحضورهم لمنزلي، وأن أكون اجتماعيا محبوبا حسن الخلق، أرتاح في صحبة الناس واجتماعهم، مبتسما للناس والحياة.
وفقك الله الدكتور محمد عبد العليم، وجزاكم الله كل خير.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأشكرك على ثقتك في هذا الموقع، وفي شخصي الضعيف، وأسأل الله تعالى أن ينفع بنا جميعًا.
أخي: كل الناس لديها شيئًا من الشكوك حيال نوايا الآخرين، وهذا النوع من الشك نعتبره شكًّا محمودًا، بمعنى أن الإنسان يحتاج لأن يحمي نفسه من خلال درجة من الانضباط الداخلي الذي يجعله يتحوط من الناس، لكن طبعًا هذا لا يصل لمرحلة عدم الثقة أو سوء الظن بالناس، إذا تطور الأمر وأصبح الإنسان يتصرف حسب شكوكه في تعامله مع الناس هنا تُصبح الحالة نستطيع أن نقول أنها ظنانية أو أنها مرتبطة بالشخصية، هنالك شخصية ظنانية، هنالك شخصية متوجِّسة، هنالك شخصية لا تُحسن الظن، وهذه أحيانًا تُسمَّى بالشخصية البارونية، وتسمَّى بالشخصية الظنانية.
أنا طبعًا لا أريد أن أكون عجولاً وأقول لك أنه ربما يكون لديك شيء من سمات هذه الشخصية، لأن السمات ظهرت عندك منذ الصغر – كما تفضلتَ – وأصبحتَ أنت تتصرف في علاقاتك الاجتماعية تحت تأثير فكر الشكوك والظنان حول مقاصد الناس.
يعني: من المفترض أن تُجرى لك بعض الاختبارات النفسية المتعلقة بالشخصية، ومن المفترض أن تكون هنالك مقابلة أو مقابلات مع المختص النفسي والطبيب النفسي، حتى نستطيع أن نقول هل لديك شخصية بارونية أم لا.
لكن على العموم: نسبةً لأن هذه الآليات الفحصية التي ذكرتُها قد لا تكونُ سهلة، وإن كان من الممكن أن تذهب وتقابل طبيبًا نفسيًّا، لكن ممَّا هو مطروح في استشارتك أنا أعتقد أن تناول جرعة صغيرة من أحد الأدوية التي تُساعد على القضاء على الشكوك الظنانية سوف يُساعدك.
توجد دراسات كثيرة جدًّا تُشير أن عقار (رزبريادون) بجرعة صغيرة يُساعد الشخصية التي لديها سمات الظنان، وفي ذات الوقت الأمر قد يكون مصحوبًا بشيء من الوسوسة – كما ذكرت – وقطعًا هذا الانعزال الاجتماعي الناشئ من هذا الفكر الظناني يؤدي إلى عُسر في المزاج، لذا وجدنا أيضًا أن إضافة عقار مثل الـ (بروزاك)، يعني: البروزاك الذي يُسمَّى علميًا (فلوكستين) بجرعة صغيرة تُضاف له جرعة صغيرة من عقار رزبريادون ستكون مفيدة جدًّا.
أخي الكريم: إن كان ما ذكرتُه لك مُقنعًا فيمكن أن تبدأ في تناول الرزبريادون بجرعة واحد مليجرام ليلاً لمدة شهرٍ، ثم اجعلها اثنين مليجرام ليلاً لمدة شهرين، ثم اجعلها واحد مليجرام ليلاً لمدة ستة أشهر، هذه جرعة صغيرة جدًّا من هذا الدواء، وبعد انقضاء الستة أشهر اجعل الجرعة واحد مليجرام يومًا بعد يومٍ لمدة شهرٍ، ثم توقف عن تناول الرزبريادون.
أمَّا بالنسبة للبروزاك فتناوله بجرعة كبسولة واحدة يوميًا لمدة ستة أشهر، ثم اجعلها كبسولة يومًا بعد يومٍ لمدة شهرين، ثم توقف عن تناول الدواء.
كلا الدوائين من الأدوية السليمة، خاصة بهذه الجرعات، وأسأل الله تعالى أن ينفعك بها.
الأمر الآخر: طبعًا لا بد أن تبذل جهدًا في أن تحقّر هذا الفكر الشكوكي، وتسعى لأن تُحسن الظن بالناس، وأنصحك بأن تقوم بواجباتك الاجتماعية، لبّي الدعوات، امشي في الجنائز، زر المرضى، صِل رحمك، لا بد من هذه الأمور، هذه فيها خير كثير لك، حتى ولو كان هناك شكوك وظنون، لكن عليك ردَّ هذه الشكوك والظنون ولا تقبلها أبدًا لنفسك، وإذا شككت فلا تتحقق، لأن في بعض الظن إثم، أمر الله تعالى بأن نجتنب كثيرا من الظن فقال: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظن إن بعض الظن إثم}، هذه هي الأسس العلاجية.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.