أكره نفسي وأجد الآخرين يبتعدون عني، فهل لعثمتي هي السبب؟
2020-11-04 05:08:31 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بداية أود أن أشكر القائمين على هذا الموقع، وأسال الله أن يجزيكم خير الجزاء، ها أنا أطرق بابكم لعلي أجد الإجابة الشافية التي تبث الراحة في نفسي.
أنا فتاة، أبلغ من العمر ٢٦ سنة، أواجه منذ صغري مشكلة عدم طلاقة اللسان والتلعثم عند الحديث مع الآخرين، فأنا قبل أن أتحدث أفكر فيما أريد أن أقول، وأرتب كلماتي قبل أن أتفوه بكلمة واحدة، وكثيرا عندما أتحدث تخرج الكلمة معكوسة الحروف؛ مما يسبب لي الإحراج الشديد مع الآخرين، ويجعلني أكره الحديث مع الغير، وهذا له التأثير الشديد على ثقتي في نفسي.
هذا الأمر لا يحدث معي دائما وإنما تتكرر معي في أغلب الأوقات، وتزداد اللعثمة عند الحديث مع الجنس الآخر فأجد نفسي أود انتهاء الحديث أسرع مما يمكن؛ لأنني أشعر بجفاف في الفم، والرغبة في ابتلاع الريق بشكل مفاجئ، على الرغم من أني أعمل صيدلانية وأواجه الكثير من الناس وأتحدث معهم، وأشرح لهم عن الأدوية، ومع هذا تتكرر معي هذه الحالة كثيرا وأتمنى انتهاء اليوم بأسرع ما يمكن، وفي نهاية اليوم أشعر باكتئاب شديد ورغبة بالبكاء بسبب هذه الحالة.
وعدا عن ذلك أعاني من ضعف الثقة بالنفس فهي تقريبا معدومة، أظن أن أحد أهم أسباب ثقتي المعدومة في نفسي هي لعثمتي في الحديث، مع أنني أتلو القرآن الكريم وأرتله بصوت عذب وتلاوة جيدة وطليقة، فلا أدري لماذا عندما أتحدث مع الآخرين أتلعثم؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ حنان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلاً ومرحباً بك، وجوابأ على ما ذكرت حيث قلت:"مع أنني أتلو القرآن الكريم وأرتله بصوت عذب وتلاوة جيدة وطليقة، فلا أدري لماذا عندما أتحدث مع الآخر "وتزداد اللعثمة عند الحديث مع الجنس الآخر".
أقول لك غاليتي ما يلي:
يُقال : أنّ علماء النفس والاجتماع اعتبروا الخجل المفرط مرضا اجتماعيا ونفسيا يسيطر على مشاعر الفرد منذ الطفولة كإحدى ثمار شجرة الخوف والقلق، فيؤدي إلى بعثرة طاقاته الفكرية ويشتت إمكاناته الإبداعية وقدراته العقلية.
وقد رجحت الدراسات أن هذه المشكلة تظهر بشكل أكبر في فترة المراهقة، كما صنف العلماء هذا الخجل المرضي إلى عدة أنواع تشمل خجل مخالطة الآخرين، وخجل الحديث، وخجل الاجتماعات، وخجل المظهر، وخجل التفاعل مع الكبار، وخجل حضور الاحتفالات والمناسبات.
أود هنا أن أوضح لك أكثر عن أسباب وعوارض الخجل الاجتماعي، فالمعرفة نصف العلاج بنيتي حنان.
أسباب الخجل الاجتماعي:
- عوامل بيولوجية وبيئية، وتقول الدراسات أنّ 30% من سبب الخجل يعود إلى الجينات، والنسبة المتبقية تعود إلى الوراثة والبيئة المحيطة، فالبيئة وخبرات الحياة الأليمة كالفشل في الدراسة وتأثير الطلاق تصنع طفلا خجولا.
- الآباء الخجولون يربيان غالبا أطفالا مثلهم، كما أن مخاوف الأم الزائدة تصيب الطفل بالخوف من اللعب تفاديا للإصابة بالأذى، فيظل منطويا خجولا.
- النقد والتنمر والتهديد، فإن الآباء الذين ينتقدون أطفالهم أمام الناس يتسببون في خوفهم من الراشدين فيصبحون خجولين، وردود أفعالهم دفاعية، وبعض الأطفال يشعرون بالنقص بسبب إعاقة جسدية، أو سمنة مفرطة، أو قصر قامة ملحوظ، أو بسبب الفقر، مما يجعلهم خجولين، كل هذا يدفع الطفل إلى العزلة ويُنشئ في نفسه رُهاباً اجتماعياً يترجمه سلوكُه بصورة خجل مبالَغ فيه أحياناً.
أعراض الخجل الاجتماعي:
- قلة الكلام في حضور الغرباء، والنظر لأي شيء عدا من يتحدث معه، والشعور بالخوف والقلق من الحديث أمام جمع من الناس، والتردد الشديد في المشاركة في الحياة الاجتماعية.
-أعراض نفسوجسدية كزيادة النبض، وآلام المعدة، ورطوبة وتعرق اليدين والكفين، واحمرار الوجه وجفاف الفم والحلق، والارتجاف والارتعاش اللاإرادي، أما الأعراض النفسية فتشمل التركيز على النفس، والشعور بالنقص والإحراج وعدم الأمان، ومحاولة البقاء بعيدا عن الأضواء، وهذا ما يحصل معك بنيتي حنان.
نصل الآن إلى مشكلتك: فإذا اتفقنا على أن خجلك مَرضي أو كان سبب خجلك من الشباب هو اهتمامك بنظرتهم إليك وحرصك على تقديم نفسك بصورة لائقة وخوفك من اهتزاز صورتك في أعينهم، فينبغي معالجته وتهذيبه ليصبح حياء جميلاً لا يضايقك في حياتك ويسبب لك الإحراج عند التحدث مع الجنس الآخر أو العوارض التي تم ذكرها خلال الاستشارة، وأنت لست مصابة بالتلعثم من الأساس وتلاوة القرآن لديك ممتازة كما ذكرت أليس كذلك بنيتي حنان؟!
وهذه "الأعراض" دفاعاتٌ طبيعية يلجأ إليها جسمنا على مستوى الفعل اللاإرادي للوصول إلى "نتيجة"، هي صرفنا عن عمل أو سلوك نعتقد أنه مرفوض اجتماعياً، والخجل من الجنس الآخر واحدٌ من الدفاعات الطبيعية الفطرية التي فطر الله عليها نفوسَ الذكور والإناث لكي يبتعد أحدُهما عن صاحبه، وهي في الحدود الفطرية الطبيعية صفةٌ محمودة لا اعتراضَ عليها، وفي هذه الحدود لا نسميها خجلاً بل حياء، والحياء من الدين كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلّم.
وإليك غاليتي: كيفية علاج الخجل الاجتماعي؛ باتّباع بعض تقنيات العلاج السلوكي الذاتي ومنها:
- أدعوك إلى جلسة مصارحة مع نفسك، وأن تكتبي نقاط قوتك ونقاط ضعفك، وأنا على يقين أنَّ لديك الكثير من نقاط القوة التي سوف تكون عونًا لك على تخطي مشكلة الخجل الزائد.
- ركزي على الجوانب الإيجابية لديك، واكتبيها على ورقة، وعلقيها في مكان خاص بك، واقرئيها باستمرار، وطوري مهاراتك الثقافية من خلال القراءة والمطالعة على كل ما هو جديد في العالم، على صعيد الحياة الاجتماعية والنفسية، والاقتصادية والسياسية؛ فالعالم يمر بمتغيرات سريعة.
- استعادة ثقتك بنفسك ونظرتك الإيجابية لذاتك من أهم العوامل المفيدة في العلاج أن تنسى تماما أن أحداً يهتم بمراقبتك، ولا تخجلي من اتخاذ موقف أو قرار مخالف لعامة الناس ما دمت مقتنعة به ولا يخالف الشرع والعُرف.
وإليك تمرين لتثبيت الأفكار الإيجابية: أن تأخذي نفساً عميقاً لتدخلي في مرحلة الاسترخاء، ثم تخيل أنّ معك بذور لزراعة الأزهار في حديقة منزلك، وكل بذرة تنمو بهدوء وتكبر وأنت تراقبيها وكل وردة تحمل فكرة إيجابية (نجاح، تميز، الحديث بطلاقة...).
قولي "لا" عندما يقتضي الأمر وبقوّة فلا تخجل من قول "لا" بالفم الملآن، وهذه الكلمة الصغيرة والسهلة يمكن أن تجلب لك الصحّة والوفرة والسعادة وتُعيد لك الثقة بالذات.
اعلمي غاليتي أنّ الرغبة في تخطي العقبات هي محفز مهم للغاية في تحقيق الإنجاز، وأن هذه الرغبة تقتضي بعض الصبر والمثابرة لبعض الوقت الذي لن يطول بإذن الله تعالى.
أُحيلك إلى قراءة كتاب " التغلب على الخجل الاجتماعي ".
أسأل الله جل جلاله أن يمنّ عليك الاستمتاع بحياتك الاجتماعية.