تركت بيتي، لأني أخاف أن أموت بعيدة عن أهلي.

2020-10-06 13:04:39 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم.

أشكركم جزيل الشكر على هذا الموقع الذي يساعد الناس ويرشدهم للطريق الصحيح.

أنا عمري 32 سنة، متزوجة، أعاني من خوف شديد عندما أسمع عن موت شخص ما، حيث أشعر بنبض في البطن، مع برودة في الصدر، ورجفة ودوخة وغثيان، وألم في الرأس.

كنت أعاني من الوساوس، كأن أؤذي نفسي وابنتي، وتحولت كلها لخوف شديد، أحس أن أعضاء جسمي تؤلمني، وأحس باقتراب الموت فهذه علاماتها.

ذهبت لطبيب عام، وصف لي دواء البراز 0.5، والاسيبليكس لمدة شهرين ونصف، ولم أتحسن، علما أن دواء البراز يخفف عني الخوف والتوتر، والاسيبليكس لا أحس بتغييره أبدا، استعملت العديد من الأدوية دون جدوى.

ذهبت للطبيب، وأخبرني أني سليمة، ولا أحتاج لتحاليل الدم وتخطيط القلب، فقط أعاني من نقص السيروتونين، وبدأ هذا الشعور عند ولادتي لطفلتي، وأستيقظ وأسناني مضغوطة، وأنا سريعة الغضب لأتفه الأسباب، أفتقد شعور السعادة أو الاستمتاع، أرفض العيش في بيت الزوجية، علما أن الأعراض تأتيني أيضا في بيت أهلي، لكني أحاول التغلب عليها، لكن في بيتي تزداد حالتي سوء؛ لأنني أشعر بالوحدة، ولا يزورني أحد، فأخاف من الموت بعيدا عن أهلي، حيث تبعد مسافة السكن بيني وبينهم أربع ساعات.

حاليا أسكن مع أهلي، وزوجي بعيد عني، ولا أعاني من أية مشكلة معه، بالعكس فهو يتقبل فكرة معاناتي، ويحاول مساعدتي في كل شيء، فأرجو تشخيص حالتي التي لا أجد لها تفسيرا.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ريحان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأسأل الله لك العافية والشفاء.

أعراضك أعراض ظاهرة جدًّا وواضحة جدًّا، الحالة التي تعانين منها تُسمّى بقلق المخاوف الوسواسي، يعني: يوجد قلق وتوجد وساوس وتوجد مخاوف، وهذا طبعًا كلُّه يُسبِّبُ شيئًا من عُسر المزاج وعدم الارتياح.

الحالة ليست خطيرة أبدًا، لكنّها بالفعل تستحق العلاج.
أولاً: بالنسبة لموضوع الخوف من الموت: يجب أن تتعاملي معه بتجاهل، يجب أن تُحقّري هذه الفكرة، الموت حق، والآجال بيد الله، والخوف من الموت لا يُعجّل به ولا يُؤخِّره، والإنسان دائمًا يخاف من الموت الخوف الشرعي، الخوف المحمود، وليس الخوف المرضي، والخوف الشرعي قائمٌ على الأسس التي ذكرتُها لك.

فيا أيها الفاضلة الكريمة: أنت محتاجة ليس للأدوية، الأدوية نعم سوف تُساعدك، وسوف أصف لك الأدوية، لكنّ الذي تحتاجين إليه هو تغيير الفكرة، التغيير المعرفي التام، تصحيح المفاهيم، هذا هو المهم، وأي فكرة وسواسية تأتيك يجب أن تُحقّر، ويجب ألَّا تخوضي فيها أبدًا، ولا تُناقشيها، وتصرفي نفسك إلى أشياء أخرى، أشياء جميلة، تتأمَّلي، تتفكّري في حياتك الطيبة، في حياتك الأسرية، آمال عريضة، تعيشي على الأمل والرجاء، هذا هو المطلوب – أيتها الفاضلة الكريمة – وليس التوترات والمخاوف وهذا الفكر السلبي.

إذًا استبدال الفكر السلبي بفكر إيجابي هو مطلب أساسي.

ثانيًا: أريدك أن تُطبقي تمارين استرخائية، تمارين التنفّس التدرُّجي، تمارين قبض العضلات وشدِّها، هذه تمارين مفيدة جدًّا، وتوجد طرق كثيرة جدًّا لتعلُّم هذه التمارين: إمَّا أن يُدرِّبك عليها أخصائي نفسي، أو يمكن أن تستفيدي من اليوتيوب، توجد برامج ممتازة جدًّا تتكلم عن كيفية الاسترخاء وتطبيقه، أو يمكن أن ترجعي لاستشارة إسلام ويب، والتي رقمها (2136015)، سوف تجدين فيها إرشادات ممتازة جدًّا حول كيفية تطبيق تمارين الاسترخاء.

هذه هي الأسس العلاجية الصحيحة، وأيضًا حاولي أن تتخلصي من الفراغ، وأن تشغلي نفسك بما هو مفيد، وأن تتواصلي اجتماعيًّا، احرصي على صلواتك في وقتها، الأذكار، خاصة أذكار الصباح والمساء، الورد القرآني.

واجعلي لديك مشروع حياة، أي مشروع، مثلاً: تُقرّري أن تحفظي أجزاء من القرآن الكريم أو كلّه، هذا مشروع حياة عظيم جدًّا، الإنسان الذي يُقيّد نفسه بمشروع حياتي يتخلص من الوساوس والخوف، هذا أمرٌ مؤكد، برَّ الوالدين أيضًا يعطي دفعات إيمانية قوية جدًّا، ويُشعر الإنسان بالأمان والطمأنينة.

فأرجو أن تُركّزي على هذه الأشياء، ورياضة المشي يجب أيضًا أن تُمارسيها بقدر المستطاع.

بالنسبة للأدوية التي وصفها لك الطبيب فيما مضى، وهي عقار (البراز) ودواء الـ (اسيبليكس). البراز هو الـ (البرازولام Alprazolam) وهو دواء مشهور جدًّا تحت المسمَّى التجاري (زاناكس xanax)، هو بالفعل يُريح الإنسان من القلق والتوترات الداخلية، كما أنه يُحسّن النوم ويزيد من مستوى الاسترخاء الجسدي والنفسي، لكن يُعاب عليه أنه قد يؤدي إلى التعود والإدمان، لذا أنا لا أنصح أبدًا باستعماله لمدة تفوق أو تتعدّى ستة أسابيع.

عقار (اسيبليكس) وهو الـ (استالوبرام Escitalopram) أو ما يعرف تجاريًا باسم (سيبرالكس Cipralex) من الأدوية المفيدة جدًّا لعلاج المخاوف، أيًّا كان نوعها، وكذلك يُعالج الوساوس، وهو في ذات الوقت مُحسِّنٌ للمزاج، الدواء مشهود له بالفعالية، ومشهود له بالسلامة، لكن لم يفدك، وهذا أيضًا وارد، لأن هناك تفاوت وتباين ما بين الناس من حيث الاستجابة للدواء، وربما تكون الجرعة أيضًا لم تكن كافية، وفي ذات الوقت بعض الأدوية يتطلب البناء الكيميائي الذي يؤدي إلى الفعالية، يتطلب وقتًا طويلاً، أنت تناولت هذا الدواء تقريبًا لمدة شهرين ونصف، وهذه مدة جيدة حقيقة، لكن بعض الأدوية تحتاج لمدة أطول من ذلك، أربعة أشهر، وشاهدنا مَن لم يتحسنوا على الدواء إلَّا بعد ستة أشهر.

عمومًا هذه مرحلة من العلاج الدوائي قد انتهت، وأنا الآن أرى أن أفضل دواء يُساعدك هو عقار الـ (سيرترالين Sertraline) والذي يُسمَّى تجاريًا (زولفت Zoloft ) أو (لوسترال Lustral) أو قد تجدينه في بلادكم تحت مسمى تجاري آخر.

السيرترالين تبدئين في تناوله بجرعة نصف – أي خمسة وعشرين مليجرامًا – يوميًا لمدة عشرة أيام، بعد ذلك اجعليها حبة كاملة لمدة أسبوعين، ثم اجعليها حبتين يوميًا، وهذه هي الجرعة العلاجية – أي مائة مليجرام بالنسبة لك – تستمرين عليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفضيها إلى حبة واحدة يوميًا لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم اجعليها نصف حبة (خمسة وعشرين مليجرامًا) يوميًا لمدة أسبوعين، ثم خمسة وعشرين مليجرامًا يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين آخرين، ثم توقفي عن تناول الدواء.

الكلام عن نقص السيروتونين: نعم هو وارد، لكن ليس أمرًا تأكيديًّا، لأن السيروتونين لا يمكن أن يُقاس في أثناء الحياة، هنالك نظريات كثيرة: هل هو نقص؟ هل هو اضطراب في الإفراز؟ هل هو عدم توازن؟ هل هو ضعف الحساسية الاستجابية في أطراف الموصلات العصبية؟ هذه كلها واردة، لكن بالفعل الأدوية التي تُعالج الخوف والوسوسة وتُحسِّن من المزاج تعمل من خلال السيروتونين.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

www.islamweb.net